إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71] .
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
Q ما هو حكم سماع الموسيقى في الإسلام؟ وهل جاءت الأحاديث تحرم بعض الآلات الموسيقية؟
صلى الله عليه وسلم هذا السؤال يتكرر كثيراً وحق له أن يتكرر؛ لأن المسلمين اليوم قد ابتلوا ببلاءين اثنين: بلاءٌ مادي، وبلاءٌ علمي.
أما البلاء المادي: فهو الذي أحياه اليوم جماهير المسلمين في بيوتهم، حيث لا يخلو بيت تقريباً إلا وفيه المذياع -الراديو- ويذاع بواسطة هذه الآلة ألوان وأشكال من أغانٍ ومن آلات موسيقية.
وأما البلاء العلمي: فهو أخطر، وذلك أنه يحاول كثير من الكُتّاب الإسلاميين أو المفتين أن يذللوا كل هذه المصائب والبلايا التي تنزل بالمسلمين، فيقولون: (يسروا ولا تعسروا) فيجب أن نعلم أن التيسير على الناس لا يكون على حساب الدين ومخالفة نصوصه، وإنما التيسير على الناس هو بتطبيق الإسلام؛ لأن الإسلام هو في أصوله وفي أسسه بني على اليسر، فإذا حرم الله تبارك وتعالى شيئاً فليس معنى ذلك أنه عسر علينا؛ لأنه حينما يحرم علينا أمراً ما فذلك لصالحنا في الدنيا قبل الأخرى.
فلما حرم علينا الآلات الموسيقية حرمها كلها على اختلاف أشكالها وأنواعها؛ سواءٌ ما كان منها معروفاً، أو ما جد اليوم مما لم يكن معروفاً؛ لأن هذه الآلات كلها: أولاً: تدخل تحت لفظة المعازف، وقد ذكرنا لكم مراراً حديث البخاري: (ليكونن في أمتي أقوامٌ يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، يمسون في لهوٍ ولعب، ويصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير) فهذا الحديث يفيد تحريم المعازف، وهي آلات الطرب -كما قلنا- كلها من ناحيتين: الناحية الأولى: قوله عليه السلام: (يستحلون) لأن معنى هذا اللفظ أن هذه الأشياء محرمة فهم يستحلونها، فيكون عقاب بعضهم في آخر الدنيا أن يمسخوا قردة وخنازير، كما مسخ اليهود من قبل، فقوله عليه السلام: (يستحلون) هذا يفيدنا تحريم كل هذه الأشياء التي ذكرت على نسقٍ واحد.
الحر: وهو الفرج، أي: الزنا.
الحرير: أي: الطبيعي.
الخمر: بأنواعه وأشكاله.
المعازف: كذلك بأنواعها وأشكالها.
كل هذه الأشياء محرمة، ويكون عقوبة من يستحلها أن يمسخوا، ولا يقال: ما سمعنا أنه وقع مسخ؛ لأن الحديث لا يعني أن كل من فعل ذلك مسخ، وإنما قال: ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون كذا وكذا يمسخون، ولا يعني أن كل من فعل ذلك مسخ.
وقد اتفقت الأئمة الأربعة وأتباعهم ممن بعدهم على تحريم آلات الطرب، وأجمع كتاب في ذلك لأحد علماء الشافعية وهو أحمد بن حجر الهيتمي، كتاب سماه: كف الرعاع عن السماع، جمع هناك كل ما ورد في هذا الباب، وفيه الصحيح والحسن والضعيف، فلذلك أنصح كل مسلم غيور على دينه ألا يستمع لآلات الطرب إطلاقاً.
وأنه إذا كان في داره عليه أن يمرن أهله كلما فتح الراديو فسمع موسيقى أنه إما أن يغلقه فوراً، أو يخفض صوته حتى لا يفوته من الأخبار إذا كان له برامج في الأخبار، وإلا فيحق فيهم قول أبي بكر الصديق لما دخل على بيت الرسول عليه السلام وفيه جاريتان تغنيان غير هذا الغناء، تغنيان بغناء يوم بُعاث الذي وقع في الجاهلية بين الأوس والخزرج، ولأنهما كانتا تضربان عليه بدفٍ قال أبو بكر: [أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟] .
فماذا يقول أبو بكر لو سمع بهذه المعازف، التي لا يستطيع أن يذكر الآلات التي تجتمع لتطريب الناس -زعموا- إلا من كان خبيراً بهذا اللغو.
لذلك اتقوا الله عز وجل، ولا تفتنوا أنتم وأهلكم بسماع مثل هذه الآلات فكلها محرمة.