Q ما حكم بيع التورق، وهو أن يشتري الرجل بضاعة من غير نقد من التاجر وهو يريد النقد ثم يبيعها لغير التاجر نقداً بثمنٍ أقل؟
صلى الله عليه وسلم الحقيقة هذه التسمية هي كتسمية الربا بالفائدة، التورق اسم مبتدع، أما الذي سماه الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق فهو العينة، والصورة كما سمعتم: رجل يريد مالاً، ولتفكك عرى المودة والمحبة بين المسلمين فلا يجد هذا المسلم من يقرضه قرضاً حسناً، فيذهب لا يريد أن يذهب إلى البنك؛ لأن هذا ربا مكشوف، أن يأخذ -مثلاً- ألفاً على أساس أن يوفيها بعد مدة مسماة ألفاً ومائة أو أقل أو أكثر، وإنما يذهب عند التاجر فيشتري منه حاجة بألف ليس بالنقد، وإنما كما يقولون اليوم: بالتقسيط، ثم بعد أن يشتريها بألف يعود فيبيعها للبائع له بثمانمائة، فيسجل عليه المقدار الذي اشتراه من قبل بألف وزيادة، ويأخذ مقابل الألف وزيادة ثمانمائة، هذا ربا، ويصح لي أن أقول: ألعن من الربا، لماذا؟ لأن الفرق شاسع جداً، ففي البنك تأخذ مائة على أن توفي مائة وخمسة أو مائة وعشرة، أما هنا فالفرق باهظ جداً، فهذا النوع من الاحتيال على ما حرم الله عز وجل، ولذلك فبيع العينة أو التورق هذا أشد حرمة من الربا المكشوف، لا نريد أن نبيح الربا المكشوف فهو ملعون كما سمعتم وحسبه إثماً، لكن الاحتيال على أكل الربا تلحق بصاحبه لعنة أخرى؛ لأنه: أولاً: يأكل الربا، فهو ملعون بنص الحديث السابق.
ثانياً: يحتال على أكل الربا، وهذه لعنة أخرى، من أين جاءت هذه اللعنة؟ من قوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه) الحديث أولاً: يشير إلى عقوبة كان الله عز وجل فرضها على اليهود بسبب ظلمهم لأنفسهم، وتعديهم على شريعة ربهم، من ذلك كما قال عز وجل: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء:160] حرم الله على اليهود بسبب ظلمهم، وقتلهم الأنبياء بغير حق، حرم عليهم أشياء هي في أصلها حلال، قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء:160] ، منها الشحوم، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: (لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها) ما معنى جملوها؟ أي: أذابوها، وضعوها في القدور وأوقدوا النار من تحتها فساخت وذابت، فصارت في شكل آخر غير الشكل الأول، زين لهم الشيطان بأن تغيير الشكل يخرج المحرم إلى دائرة الحلال، وهذا لعب على الأحكام الشرعية واحتيال عليها، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها -أي أذابوها- ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه) .
إذاً: أكل الربا محرم، والاحتيال على أكل الربا محرم مرة أخرى، وآكل الربا ملعون، والمحتال على أكل الربا ملعون مرة أخرى، لذلك فالتورق هذا أو بيع العينة لا يجوز مضاعفةً أولاً: لأنه يطعم الربا، وذلك البائع يأكل الربا.
وثانياً: لأنهما تواطأا واتفقا على استحلال ما حرم الله، فوقعا في نفس الحيلة التي وقعت اليهود فيها من قبل.