قال: (ولا يعلم بمكانكم إلا الله، فادعوا الله بأوثق أعمالكم) كما كنا شرحنا هناك يومئذٍ فيه شرعية التوسل بالعمل الصالح (ادعوا الله بأوثق أعمالكم) هناك يقول ابن عمر: إن الرسول عليه السلام قال: (انظروا أعمالاً عملتموها صالحةً لله فادعوا الله بها) على وزان قول الله تبارك وتعالى في القرآن: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [لأعراف:180] .
ففي هذا الحديث حديث أبي هريرة زائد حديث ابن عمر نص على شرعية توسل العبد إلى الله تبارك وتعالى بعمل صالح له، وكما تعلمون جميعاً -إن شاء الله- لا يكون العمل صالحاً إلا بشرطين اثنين: الشرط الأول: أن يكون خالصاً لوجه الله عز وجل، فلو أن مسلماً صام وقام وصلى في الليل والناس نيام، وهو لا يقصد بذلك وجه الله، وإنما ليقال عنه: إنه متعبد زاهد صالح، كان عمله هباءً منثوراً؛ لأنه لم يخلص فيه لله عز وجل.
الشرط الثاني: أن يكون العمل الذي أخلص فيه لله عز وجل مشروعاً، ولا يكون مشروعاً إلا إذا كان قد ورد في الكتاب والسنة، وهذا له أدلة كثيرة، ومن الأدلة الجامعة للشرطين قول الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] .
{فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} [الكهف:110] أي: على وجه الكتاب والسنة، {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] أي: لا يقصد بهذا العمل الصالح غير وجه الله عز وجل، وإلا فيكون قد أشرك فيه مع الله، وحينئذٍ يرد عليه، بل ويضرب به وجهه.
فحينما يقول أحدهم وهم في الغار: (فادعوا الله بأوثق أعمالكم) أي: بأخلص عمل صالح فعلتموه، وشعرتم بأنكم فعلتموه وأنتم راغبون به ما عند الله عز وجل.
فإذاً: هذا الحديث فيه شرعية التوسل بالعمل الصالح، والآية السابقة فيها شرعية التوسل باسم من أسماء الله تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [لأعراف:180] وهنا ادعوه بعمل صالح لكم.