هناك الآن ظاهرة في العالم الإسلامي يجب أن نأخذ حذرنا منها، فالعالم الإسلامي الآن في اضطراب شديد، وذلك بسبب المصائب التي تنزل على المسلمين بأنواع وأشكال شتى، فنتج عن ذلك طائفة من الناس يريدون أن يقيموا دولة الإسلام بالقوة والبطش، بدون أي اتخاذ للوسائل الشرعية والوسائل الكونية التي يأذن بها الله تبارك وتعالى.
ولعلكم سمعتم بالطائفة التي يصفهم أعداؤهم ويسمونهم بـ جماعة التكفير والهجرة، ونحن لا ندري بماذا يسمون أنفسهم، لكنهم ينتسبون إلى الكتاب والسنة، وقد التقيت بأفراد وجماعات منهم، وتناقشت معهم كثيراً، فوجدت في قلوبهم إيماناً، وفي نفوسهم حرارة الإسلام، ينظرون إلى واقع المسلمين فلا يعجبهم ولا يرضيهم؛ فيندفعون بطريقة غير واعية وغير حكيمة.
وقد نقلت بعض الإذاعات منذ يومين خبراً أن هذه الطائفة في مصر قبضت على أحد المشايخ الأزهريين بطريقة أشبه بالطريقة البوليسية، فأخذوه وأودعوه في السيارة ثم نقلوه إلى مكان، ثم قيل أنهم قتلوه، ومن قبل حبسوه وطلبوا فداءه كذا وكذا من المال.
إلخ، فهذه الظاهرة إنما هي تنفيس لهذا الضيق الذي يجده المسلمون في بلادهم، ولكنهم لا يحسنون الطريق.
كذلك هناك رجل اسمه الدكتور أحمد عيد، زعم أنه قد ألهم بأن المهدي سيخرج قريباً، وأن عليه أن يهيئ له المجلس الاستشاري، فأخذ يستقطب بعض الأفراد من كل الجماعات والأحزاب، حتى وصل إلى بعض إخواننا السلفيين فأخذ اثنين منهم، فوظفهم عنده في المجلس الاستشاري، لكنهم ما خرجوا عن الدعوة السلفية؛ لا سيما بعدما اتصلوا بي وأخبروني خبره.
حتى إنه استقطب بعض الأفراد من الناصريين، وهذا يدل للبصير في دينه أنه رجل ليس على هدى من ربه؛ لأنه يجمع بين الصالح وبين الطالح، فقد جمع بعض السلفيين، وبعض الإخوان المسلمين، وبعض الناصريين، وبعض النقشبنديين، ثم صور للناس بأن لديه غلاماً لم يبلغ بعد سن التكليف، وأن هذا الغلام يتصل بالرسول عليه السلام مباشرةً؛ فكلما أراد شيئاً من وراء الغيب سأل ذلك الغلام، مثلاً: زيد من الناس يصلح للمجلس الاستشاري أم لا؟ فهو يعرض هذا الطلب على ذاك الغلام الذي عنده، فما يكون من الغلام إلا أن يضع يده على جبهته ويفكر، وإذا به يرى الرسول عليه السلام يقظة فيكلمه ويسأله، ويقول له: يا رسول الله! فلان بن فلان ماذا تقول فيه؟ أيصلح للمجلس الاستشاري أو لعمل ثان أو غيره؟ فإذا قال له: يصلح.
أدخله في جماعته، وإذا قال له: لا يصلح.
لم يدخله في جماعته.
ثم أرسلنا إليه أحد إخواننا واسمه عيد عباسي -صاحب كتاب بدعة التعصب المذهبي، وهذا من أحسن ما ألف في العصر الحاضر في هذا الموضوع- فناظره وجادله وسجلت مناظرة بينهما.
الخلاصة: الرجل أخيراً فضح أمره فولى هارباً من دمشق، لكنه بذر بذوره في عمَّان، وأسمع ما بين آونة وأخرى بأن فلاناً صار من جماعته وفلاناً صار من جماعته.
فما الذي يجعل الناس يتقبلون مثل هذه الضلالات؟ لأنهم يريدون أن ينفسوا عن هذا الضيق الذي أصاب المسلمين بسبب ضغط الكفار والمستعمرين من هؤلاء الكفار، فيريدون مخرجاً، ولكنهم لا يحسنون الطريق.
ويتمسك هؤلاء بالأحاديث التي وردت في حق المهدي محمد بن عبد الله.
ويجب أن نعلم أن الأحاديث الواردة في المهدي فيها قسم كبير صحيح، وفيها قسم حسن، وفيها قسم كثير ضعيف، بعضه مما يأخذ بعضد بعض، وبعضه منكر لا يحتج به، فعقيدة خروج المهدي عقيدة صحيحة، ولكن هذه العقيدة فيها شيء من البيانات التي تجعل المسلم لا يميل يميناً ولا يساراً، ولا يكون ذيلاً لكل من يدعي المهدوية، كما وقع ذلك كثيراً في التاريخ الإسلامي.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم المهدي بعلامات، فمنها قوله: (المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة) فأول شرط في المهدي: أن يكون من أهل البيت، لا يكون أعجمياً، ولا يكون عربياً ليس من أهل البيت، ولا يكون من قبيلة كذا وليس له صلة ببيت النبوة والرسالة، إذاً هو من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
العلامة الثانية: أن اسمه محمد بن عبد الله؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا تنقضي الدنيا -وفي رواية: لا تذهب الدنيا- حتى يبعث الله رجلاً يوافق اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئت جوراً وظلماً) فإذاً هو محمد بن عبد الله، ويجب أن يكون هذا اسمه منذ ولد، لا أن يكون مخترعاً من جديد، فالدجالون يعلمون هذا الحديث، ويعلمون أن المسلمين يؤمنون به؛ لذلك فهم يتسمون من جديد بهذا الاسم.
القادياني الذي ادعى النبوة اسمه: ميرزا غلام أحمد القادياني، هذا الرجل من كبار الدجاجلة في هذا القرن الأخير، سمي على طريقة الهنود: ميرزا غلام أحمد، ميرزا: لقب بمعنى السيد أو الباشا أو البيه.
إلخ، لكن اسمه غلام أحمد، ومعنى غلام أحمد: خادم أحمد، فهو ليس اسمه أحمد، إنما اسمه مضاف ومضاف إليه، مثل عبد الله، فهو عبد الله وليس الله، فالعبد مضاف إلى الله، كذلك هنا غلام أحمد، يعني هو: خادم محمد، يتشرف الهنود أن ينسب أحدهم بأنه خادم الرسول عليه السلام، وبعضهم يسمى بنور أحمد، فحذف النور يخرج أنه أحمد وهو ليس اسمه أحمد.
هذا الدجال لما بدأ ينشر كتبه باللغة العربية حذف كلمة غلام ووضع اسمه أحمد، لكي يحمل آية: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] يعني: هو، هو ليس اسمه أحمد بل هو غلام أحمد، لكن من باب التضليل على الناس حذف هذا الاسم الأول الذي أضيف إلى أحمد؛ لكي يسلك استدلاله على جماهير الناس.
الآن عندنا صفتان واضحتان للمهدي: الأولى: أنه من أهل بيت النبوة والرسالة، الثانية: أن اسمه محمد بن عبد الله، وأنه يجب أن يعرف منذ ولادته بهذا الاسم حتى يبلغ سن التكليف والرشد، وسن تولي هداية الأمة إلى سعادتها في الدنيا قبل الآخرة.
العلامة الثالثة: نأخذها من الحديث الأول: (يصلحه الله في ليلة) وهذا يمكن أن يفسر في الواقع على وجه من وجهين: الوجه الأول: أنه لا يكون صالحاً لقيادة الأمة، يكون منطلقاً في دينه وفي استقامته، لكن لا يخطر في بال أحد أنه يصلح أن يكون قائداً للأمة، فيصلحه الله في ليلة، أي: يلهمه أن يقوم لقيادة المسلمين الذين يلتقون حوله إلى تحقيق الحلم الذي ينشده المسلمون اليوم، وهو الحكم بما أنزل الله.
الوجه الآخر: يكون الرجل غير صالح في نفسه، يعيش ما شاء الله من سنين وهو مفرط على نفسه، مضيع في شيء من دينه، فالله عز وجل يلهمه في ليلة واحدة أن يعود إلى الله تائباً مهتدياً فيصلحه الله في ليلة.
العلامة الرابعة -وهي هامة جداً-: أنه يخرج في دمشق، وهي عاصمة بلاد الشام قديماً وسوريا حديثاً، وهذا مصرح به في الحديث الصحيح.
العلامة الخامسة: أنه يلتقي مع عيسى عليه الصلاة والسلام في دمشق، حيث ينزل عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق في وقت صلاة الفجر، وقد أقيمت الصلاة للمهدي، فلما يرى عيسى قد جاء يقدمه ليصلي بالناس، فيأبى ويقول له: لا.
تقدم أنت؛ تكرمة الله لهذه الأمة فعيسى حينما ينزل لا ينزل بصفة كونه نبياً؛ لأنه كان نبياً إلى بني إسرائيل ورسولاً، وإنما يأتي تابعاً لمحمد عليه الصلاة والسلام.
هذه علامات يجب أن تبقى في أذهاننا؛ حتى لا نغتر بدعوى بعض الناس أنه المهدي.
ومن جهة أخرى يجب ألا نتظنن وألا نرجم بالغيب فنقول: هذا زمن خروج المهدي؛ لأن هذا غيب ولا يعلم الغيب إلا الله، في كل عصر يوجد أناس يقولون: اشتد الفساد في الأرض، ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، إذاً هذا زمان خروج المهدي، وتمضي السنون والسنون والسنون ولا يخرج المهدي؛ لأن المهدي خروجه وزمانه ما أعطي علمه لأحد إطلاقاً، وكذلك نزول عيسى عليه الصلاة والسلام.
فعلينا أمران اثنان: أولاً من ناحية العقيدة: يجب أن نؤمن بكل ما صح في المهدي، وقد ذكرت لكم بعض النتف من هذه العقيدة، ثانياً: ألا نربط أنفسنا بوقت نزعمه وندعي أنه وقت خروج المهدي؛ لأن ذلك لا يعلمه إلا الله، وعلينا أن نعمل بما أمرنا الله عز وجل، وما أمرنا به رسوله عليه الصلاة والسلام.
وكما أقول دائماً وأبداً بمثل هذه المناسبة: يجب أن نعمل سواء خرج المهدي في زماننا أو لا؛ لأنه إن خرج فسيجد الناس الذين هم بحاجة إلى قائد يقودهم، وإن لم يخرج فنكون قد قمنا بالواجب الذي فرضه الله علينا، وبهذا نرد على طائفتين متباينتين ونحن وسط بينهما: طائفة تنكر أحاديث المهدي وأحاديث نزول عيسى، وطائفة تثبت هذه الأحاديث ولا تعمل؛ بدعوى أنه لا توجد فائدة من العمل حتى يخرج المهدي وينزل عيسى عليه السلام.
نحن نقول كما قال الله عز وجل: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة:105] ولا ننتظر خروج المهدي؛ لأن هذا ليس من شأننا، إن خرج وجدنا على الخط، وإن لم يخرج فما يضرنا، وإنما علينا أن نعمل بما أمرنا الله تبارك وتعالى.
السائل: أنت قلت: يخرج المهدي من دمشق؟ الشيخ: نعم.
السائل: نحن نعرف أنه يلجأ رجل للحرم فيبايع مكرهاً.
الشيخ: هل تعلم أن الحديث صحيح؟ أنا لا أعلم صحته، نح