ولعل من المفيد أن أذكر لكم خلاصة قصة لتعرفوا أثر التشبه بالكفار، فبالأحرى نحن المسلمين أن نعرف ذلك ركبت مرة في قطار فاجتمعت مع قسيس ماروني لبناني، وجرى بيني وبينه نقاش طويل لست الآن في صدده، لكنه رجل أنكر على المسلمين تشددهم في مسألة اللباس وتحريم (البرنيطة) ، وكان أن ذكر من تشددهم أن أنكروا على مصطفى كمال ذلك الذي لم يرض لنفسه اسم المصطفى، فوضع له اسم أتاتورك، هذا القسيس ينكر على المسلمين لماذا أنكروا عليه وضع (البرنيطة) وفرضه على الشعب التركي (البرنيطة) وإلى الآن يعيش كثير من الأشخاص في هذا الزي التافه، فناقشته في هذه المسألة، وكما قلت: أريد أن أقدم إليكم العبرة من هذه المناقشة، هو يقول: إن هذا اللباس عالمي فما الذي يضر المسلمين أن يلبسوا هذا اللباس؟ وهو كما تفهمون من وصفي إياه بأنه قسيس ماروني، والماروني يلبس هذا الذي يسمونه (الطربوش) ، هذا الطويل الأسود، وهو طربوش خاص بالمارونيين، قلت له: إذاً لا بأس عليك من أن تنزع هذه القلنسوة السوداء وتضع بدلها العمامة البيضاء على (الطربوش) الأحمر، وهو لابس جبة سوداء بطبيعة الحال، فأول ما قلت له هذا قال: لا، ونفر من هذا، وهنا يأتي الشاهد، قلت له: لِمَ؟ قال: نحن لا يجوز لنا ذلك، نحن رجال دين، فأخذته من هذه الكلمة وقلت: هذا هو الفرق بيننا نحن معشر المسلمين وبينكم معشر النصارى، أنتم جعلتم أنفسكم طائفتين: رجال دين، ورجال لا دين، فرجال الدين لهم أحكام خاصة، منها: أن لهم لباسهم الخاص، فأنت ما فررت من أن تتشبه بالإسلام إلا لأنك تريد أن تحافظ على شخصيتك النصرانية، ونحن كل مسلم منا، أصغر مسلم منا كأكبر مسلم، ويجب عليه ما يجب على أكبر شيخ عندنا، ويجوز له ما يجوز على أكبر شيخ عندنا، فكما لا يجوز لك أن تتشبه بالمسلم كذلك لا يجوز عندنا لأي مسلم وليس لشيخ، وإنما أي مسلم لا يجوز له أن يتشبه بالكافر.
إذاً: موضوع التشبه ليس موضوعاً تعبدياً، بل هو موضوع علمي نفسي دقيق جداً، وعلماء الفلسفة والاجتماع -كما يسمون اليوم- يقولون: الأمم بقاؤها بمحافظتها على عاداتها، وبمحافظتها على لغتها وتاريخها.
والمسلمون -مع الأسف- رويداً رويداً يخسرون ويضيعون هذه الأسس التي بها تكون شخصيتهم.