Q ما فقه حديث: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، قيل: يا أبا هريرة! كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولاً) ؟
صلى الله عليه وسلم هذا الحديث واضح جداً، ولا أدري ما هو السبب في السؤال عن هذا الأمر الواضح! النبي صلى الله عليه وآله سلم ينهى عن الانغماس في الماء الراكد إذا كان الإنسان جنباً، ولكنه يأمر بأن يغترف منه اغترافاً، فالأمر واضح جداً أن الانغماس يعرِّض هذا الماء الراكد لأحد شيئين ولا بد منهما: - إما للنجاسة.
- وإما للقذارة.
فإذاً: في سبيل المحافظة على طهارة الماء أو -على الأقل- على نقاوة الماء، النقاوة التي تلازمها الطهارة، فقد يكون الماء طاهراً لكنه قذر، حيث أن هذا الذي ينغمس في الماء إما أن يلوثه، وإما أن ينجسه، ففي سبيل المحافظة على ذلك كان من تأديب الرسول عليه السلام لأمته أن ينهى هذا أن ينغمس في الماء، فيأمره أن يغترف منه اغترافاً كما بيَّن ذلك راوي الحديث، وهو أبو هريرة رضي الله تعالى عنه.
وبعد هذا البيان أريد أن ألفت النظر إلى أمرٍ نحن بحاجة إلى أن نلاحظه حينما ندرس السنة، وهو أن قول هذا الصحابي هنا يُشْبِه تماماً -في رأيي- قول صحابي آخر: فهنا سئل أبو هريرة، وهو راوي الحديث: ماذا يفعل هذا الذي نُهي أن ينغمس في الماء؟ قال: يغترف اغترافاً.
فهنا نقول: الراوي أدرى بِمَرْوِيِّهِ من غيره.
هنا نستفيد هذه الفائدة ونقعِّد هذه القاعدة في هذا الحديث، فنقول: راوي الحديث هذا ما دام أنه أجاب عن السؤال حينما رَوَى الحديث بقوله: (يغترف اغترافاً) فيكون هو أدرى بمعنى الحديث ممن قد يأتي بعده، ويتأوله بتأويلٍ آخر.
فهذا يشبه تماماً جواب صحابي آخر، وأعني به أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، حينما روى: (أنه عليه الصلاة والسلام نهى أن يشرب الرجل وهو قائم، فسأل سائل: فالأكلُ؟ قال: شرٌّ) فليس في الحديث حكم الأكل قائماً، وإنما في الحديث حكم الشرب قائماً، فهو روى عن الرسول عليه السلام أنه نهى عن الشرب قائماً، فحينما سُئِل عن الأكل قائماً، أجاب بقوله: هو شرٌّ، أي: من الشرب قائماً.
فحينئذٍ هذا الجواب يجب أن نتبناه؛ لأنه أعلم بِمَرْوِيِّهِ من غيره، وهذا بلا شك مقيد فيما إذا لم يكن هناك نصٌّ من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام ينافي جواب هذا الصحابي أو ذاك.
بهذا ينتهي الجواب عن هذين الحديثين، وينتهي المجلس.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.