لما كنت أطلب العلم التقليدي وهو المذهب الحنفي من بعض المشايخ، كنا نصلي الصبح ونقرأ درساً في الفقه الحنفي إلى الضحوة، وذات يوم أتت امرأة عجوز، فدخلت المسجد، وجلسَتْ بجانب الشيخ، فسارَّته بكلام لا نسمعه نحن لكن نسمع جواب الشيخ ونفهم أنها تقص عليه رؤيا، فسبحان الله! كان جواب الشيخ كأنه مثل ما يقال اليوم: (روتين) ، أي: لا يتغير، كلما جاءت امرأة تسره بشيء نفهم أنها تقص عليه رؤيا، ويكون جواب الشيخ على وتيرة واحدة.
بقي في ذهني الخلاصة التالية، وهي قوله: يبدو أن المرحوم بحاجة إلى صدقة، فتصدقي عنه، أو بحاجة إلى قراءة قرآن، فاقرئي عنه، ونحو هذا تكون الأجوبة.
هذا ما شاهدته عن بعض المشايخ، وأنا نفسي كنت شغوفاً بالعلم منذ أن تخرجت من المدرسة الابتدائية، فقد سمعت بكتاب: تعطير الأنام في تفسير المنام، للشيخ عبد الغني النابلسي، في مجلدين، وعلى الهامش تفسير ابن سيرين، ومحمد بن سيرين رجل فاضل من كبار علماء التابعين والمكثرين من رواية الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكنتُ طالب علم متميزاً قليلاً عن الآخرين، فكل واحد من الإخوان إذا رأى رؤيا جاءني لأعبرها له -وأنا ما عندي علم فطري كما كان عليه ابن سيرين - فكنت أرجع إلى كتابه، أرجع إلى تعطير الأنام للنابلسي.
فمثلاً: إذا رأى الرائي مطراً غزيراً نازلاً، فإني أرجع إلى كلمة مطر، وهنا يَتَيْهُ الإنسان من كثرة التفاصيل، فما يظهر لي شيء، وكثيراً ما تكرر معي هذا، فتركتُ الكتاب حتى عشش عليه العنكبوت، وما استفدتُ منه شيئاً.
وفيما بعد لما تعمقت في العلم، وخاصة عندما تنوَّر قلبي بسنة النبي عليه الصلاة والسلام، علمتُ أن هذا العلم ليس علماً يُكْتَسَب كأكثر العلوم، وإنما هو هبة من الله تبارك وتعالى.
لذلك أقول: من رأى رؤيا فليضع في باله أنها واحدة من ثلاث، تُرَى أي الثلاث هي؟! لا يعرف.
وعندما يريد أن يقصها فإني أقول: إذا كانت خيراً فليقصها على عالم ناصح كما ذكرنا، وإلا فلا يقصها على أحد؛ لأنها كما جاء في الحديث الصحيح: (الرؤيا على رِجْل طائرٍ، فإذا فُسِّرَت وَقَعَت) تشبيه خطير جداً، فلو رأى إنسانٌ رؤيا ظاهرها جيد، لكن المؤوِّلَ للمنام أوَّلَها وفسَّرها على نقيض ظاهرها، فستقع، وهذه سنة من سنن الله عز وجل الغيبية التي لا تدخل في السنن الكونية الطبيعية التي تخضع للمادة، فإذا فُسِّرَت وَقَعَت.
لذلك لا ينبغي لإخواننا الحريصين على الانتفاع بالسنة إذا رأوا رؤيا، ولو كانت حسنةَ الظاهر، أن يقصوها إلا على عالم ناصح، وإذا كانت على العكس، فليستعذ بالله، ولا يقصها على أحد.
أما إذا تكاثرت الرؤى بهذه الصورة، فهل يجوز أن يكون الشيطان كما يلعب بالناس في اليقظة يلعب بهم في المنام؟! نعم يجوز.
فإذاً: لا نلقي بالاً لمثل هذه الرؤى إطلاقاً.