الفرق الضالة وعدم التزامهم منهج السلف

ومن ذلك الخوارج قديماً، وأمثالهم حديثاً الذين يكفرون المسلمين بمجرد انتسابهم للمعاصي وليس للكبائر فقط، إن الخوارج القدامى كان ضلالهم محصوراً على أنهم يكفرون المصرين على الكبائر، أما اليوم فقد نبتت نابتة جديدة يكفرون المصر على المعصية الذي مات عليها ولم يتب لماذا وهم يعتمدون على الكتاب والسنة وأيضاً يحرصون معنا على التمسك بالسنة الصحيحة؟ ولكنهم شذوا عن هذا القيد الثالث: (قال الصحابة) ولذلك ركبوا عقولهم وخلطوا مفاهيمهم على نصوص الكتاب والسنة، فجاءوا بعقيدة جديدة: أن كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويصلي ويصوم، ما دام أنه مرتكب لمعصية لم يتب منها فهو خالد في النار أبداً، لماذا هذا الانحراف؟ لعدم تمسكهم بما كان عليه سبيل المؤمنين: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:115] لم يقل ربنا هذه الجملة عبثاً، وإنما ليدل على أن فهم الكتاب والسنة يجب أن يكون على ما كان عليه السلف الصالح.

المعتزلة قديماً لما جاءوا بعقائد خالفت الكتاب والسنة، هل خالفوا الكتاب والسنة في نفوسهم وفي عقيدتهم؟ لا.

بل يقولون: الكتاب والسنة كما يفهمون هم، لا يوجد أحد على وجه الأرض يقول: نحن نرفض الكتاب والسنة ونرفض الحديث الصحيح، كلهم يقولون: الكتاب والسنة، ولكن يفسرون النصوص حسب ما يشتهون، دون أن يلتزموا بالفهم الأصيل الذي تلقاه الجيل الأول، ألا وهم الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نقلوه إلى من بعدهم من التابعين وأتباعهم، فاتبعوا الصحابة بإحسان، ونرجو الله عز وجل أن يجعلنا من هؤلاء الذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين.

هذا الذي أردت أن أذكر الطلبة الحاضرين بأنه يعز ويندر جداً التنبيه على حقيقة وعلى سبب ضلال كل الفرق قديماً وحديثاً، مع أنها كلها تدعي العمل بالكتاب والسنة، وسبب الضلال هو عدم الرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح، لذلك قال ابن القيم:

العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه

كلا ولا جحد الصفات ونفيها حذراً من التعطيل والتشبيه

بلغني في هذه الفترة وأنا في المدينة أنه طبع حديثاً في مصر كتاب في عشرين مجلداً لـ عبد الجبار القاضي المعتزلي، يؤيد فيه عقيدة الاعتزال، وليس فيه إلا قال الله قال رسول الله إذاً ما سبب هذا الضلال؟ وفي مثل هذه العارضة أمثال كثيرة وكثيرة جداً، إن السبب هو عدم التزامهم التمسك بما كان عليه السلف الصالح، من ههنا رأيت أنا أن أهل السنة الذين يريدون أن يتمسكوا بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، رأيت أن يسموا بالسلفيين؛ لأنهم ينتمون إلى السلف الصالح، لا ينتمون إلى الغرب، كما ينقد بعض الناس اليوم من الحزبيين على السلفيين أنهم ينتسبون هذه النسبة، أنا أقولها كلمة صريحة: لا يوجد على وجه الأرض مسلم يفهم معنى السلف الصالح ومعنى هذه النسبة السلفية، ثم يستطيع التبرؤ منها، ولا يوجد مسلم -أيضاً- على وجه الأرض يعرف منهج السلف الصالح، وأن على رأسهم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، فيستطيع بعد ذلك أن يتبرأ، ولكن أي مسلم تبرأ من أي مذهب نسب إلى شخص أو جماعة فهو ليس في خطر؛ لأنها ليست معصومة، ولكن السلفيين حينما ينتسبون إلى السلف الصالح فهم معصومون؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) ، وقد أجمع أصحاب الرسول عليه السلام على اتباع الكتاب والسنة كما فهموه وتلقوه عن الرسول عليه السلام، بينما الذين جاءوا من بعدهم، خاصة من أصحاب الفرق التي أشرنا إلى بعضها، فقد اختلفوا اختلافاً كبيراً، ولا مخرج لنا ولا خلاص من هذا الاختلاف إلا بأن نرجع إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، هذه الضميمة لابد منها، ومن لم يأخذ بها لم ينفعه الانتساب إلى الكتاب والسنة، أقول: الطوائف والفرق الضالة تنسب إلى الكتاب والسنة، ومع ذلك فهي على ضلال، وهي فرقة من الفرق الاثنتين والسبعين، فلا جرم أن الرسول عليه السلام نبهنا في ذلك الحديث أن الفرقة الناجية علامتها أنها تتمسك بما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، وما كانت عليه جماعته من الصحابة، هذه ذكرى تنفع المؤمنين، ولعلنا أطلنا عليكم كثيراً، وحسبنا بهذا المقدار، ولعلنا نستمع إلى بعض الأسئلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015