حكى أشعبُ بنُ جبير أنه كان في بعض سكك المدينة، فلقيه رجل، وقال له: كم عيالك؟ قال: فأخبرته، فقال لي: قد أُمِرتُ أن أجْرِي عليك وعلى عيالك ما كنتَ حيًّا، فقلت من أمرك؟ ، قال: لا أخبرك، قلت: إنَّ هذا معروفٌ يشكر، قال: الذي أمرني لم يرد شكرَك.
قال أشعب بن جبير: فكنت آخذ ذلك إلى أن توفي خالد بن عبد الله بن عمر بن عثمان، فحفل له الناس، فشهدته، فلقيني ذلك الرجل، فقال: يا أشعب هذا -والله-صاحبك الذي كان يجري عليك ما كنت أعطيك.
فهذا فاعلُ خيرٍ من وراء حجاب.
أيها الصائم: لعلك لا تجد أحدًا يتصدى لعمل إلا وهو يدَّعي الإخلاص فيما يعمل؛ ذلك أن الإخلاصَ موطِنُه القلبُ، والقلوبُ محجوبةٌ عن الأبصار.
وإذا وصفتَ أحدًا بالإخلاص أو عدمه فإنما ترجع في وصفك إلى أمارات تبدو لك من أحواله الظاهرة.
ومن هذه الأحوال ما يدلك على سريرته دِلالةً قاطعةً، ومنها ما لا يتجاوز بك حدَّ الظن.