الدرس الخامس والأربعون:
من أمراض القلوب
- في الصحيحين عن أنس، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: (لا تباغَضُوا، ولا تحاسَدوا، ولا تدابروا، وكونوا عِبادَ الله إخواناً).
- قال ابن رجب: فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تحاسدوا) يعني: لا يحسُدْ بعضُكم بعضاً، والحسدُ مركوزٌ في طباع البشر، وهو أنَّ الإنسان يكرهُ أن يفوقَهُ أحدٌ منْ جنسهِ في شيءٍ من الفضائل.
- ثم ينقسم الناس بعدَ هذا إلى أقسام:
- فمنهم من يسعى في زوال نعمةِ المحسودِ بالبغي عليه بالقول والفعل.
- ومنهم من يسعى في نقلِ ذلك إلى نفسه.
- ومنهم من يَسعى في إزالته عن المحسودِ فقط من غيرِ نقل إلى نفسه، وهو شرُّهما وأخبثهما، وهذا هو الحسدُ المذمومُ المنهيُّ عنه.
- وهو كان ذنبَ إبليس حيث حسدَ آدم - عليه السلام - لمَّا رآه قد فاق على الملائكة بأنْ خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكتَه، وعلَّمه أسماء كلِّ شيءٍ، وأسكنه في جواره، فما زال يسعى في إخراجه من الجنَّة حتَّى أخرج منها.
- ويروى عن ابن عمرَ رضي الله عنهما أنَّ إبليسَ قال لنوح: اثنتان بهما أُهلك بني آدم: الحسد، وبالحسد لُعِنتُ وجُعلتُ شيطاناً رجيماً، وأما الحرص فإنه أبيح لآدم الجنة كلها إلا الشجرة فأصبت حاجتي منه بالحرص.
- هناك قسم من الناس إذا حسد لم يتمنَّ زوال نعمة المحسود، بل يسعى في اكتساب مثل فضائله، ويتمنَّى أنْ يكونَ مثله.
- فإن كانتِ الفضائلُ دنيويَّةً، فلا خيرَ في ذلك، كما قال الَّذينَ يُريدُونَ الحياةَ الدُّنيا:
{يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ}.
- وإنْ كانت فضائلَ دينيَّةً، فهو حسن، وقد تمنَّى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الشَّهادة في سبيل الله عز وجل.
- وفي الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم -، قال: (لا حسدَ إلاَّ في اثنتين: رجلٌ آتاه اللهُ مالاً، فهو يُنفقه آناء الليل وآناء النَّهار، ورجلٌ آتاهُ اللهُ القرآن، فهو يقومُ به آناء اللَّيل وآناءَ النَّهار)، وهذا هو الغبطة، وسماه حسداً من باب الاستعارة.