الدرس الثامن والثلاثون:
من وجد خيرا فليحمد الله
- قال صلى الله عليه وسلم -فيما يروي عن ربه-: ( .... فمن وجد خيراً، فليحمَدِ الله، ومن وجدَ غير ذلك، فلا يلومنَّ إلا نفسه) رواه مسلم.
- قال ابن رجب: فيه إشارةٌ إلى أنَّ الخيرَ كلَّه من الله فضلٌ منه على عبدِه، من غير استحقاقٍ له، والشرُّ كلُّه من عند ابنِ آدم من اتَّباع هوى نفسه، كما قال - عز وجل -: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}.
- قال عليٌّ - رضي الله عنه -: لا يرجونَّ عبدٌ إلا ربه، ولا يخافنَّ إلا ذنبه، فالله سبحانه إذا أراد توفيقَ عبد وهدايته أعانه، ووفَّقه لطاعته، فكان ذلك فضلاً منه، وإذا أراد خِذلانَ عبدٍ، وكلَهُ إلى نفسه، وخلَّى بينَه وبينَها، فأغواهُ الشيطانُ لغفلته عن ذكرِ الله، واتَّبع هواه، وكان أمره فُرُطاً، وكان ذلك عدلاً منه، فإنَّ الحجَّةَ قائمةٌ على العبدِ بإنزالِ الكتاب، وإرسال الرسول، فما بقي لأحدٍ مِنَ النَّاس على الله حجةٌ بعد الرُّسُلِ.
- فالمؤمن إذا أصابه في الدُّنيا بلاءٌ، رجع على نفسه باللوم، ودعاه ذلك إلى الرجوع إلى الله بالتوبة والاستغفار.
- وقد أخبر الله تعالى عن أهل الجنَّة أنَّهم يحمَدُون الله على ما رزقهم من فضله، قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ}.
- وقيل لمسروق: لو قصرتَ عن بعض ما تصنع من الاجتهاد، فقال: والله لو أتاني آتٍ، فأخبرني أنْ لا يعذبني، لاجتهدت في العبادة، قيل: كيف ذاك؟ قال: حتى تَعْذِرني نفسي إنْ دخلت النار أنْ لا ألومها.
- أما بلغك في قول الله تعالى: {وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} إنَّما لاموا أنفسهم حين صاروا إلى جهنَّمَ، فاعتنقتهم الزَّبانيةُ، وحيل بينهم وبين ما يشتهون، وانقطعت عنهم الأماني، ورفعت عنهم الرحمة، وأقبل كلُّ امرئٍ منهم يلومُ نفسَه.