المسألة الخامسة: أسباب الخلاف

هناك أسباب للخلاف معروفة وشائعة، كقولهم: إن من أسباب الخلاف: أن يكون الحديث صح عند إمام ولم يصح عند الآخر، أو بلغ هذا ولم يبلغ هذا

إلخ.

هذه أسباب عامة معروفة؛ ولكن الذي أحب أن يكون من عناية طالب العالم -ولاسيما الدارس للفقه- أن يتبين في سبب خلاف العلماء المتقدمين، فإن كثيراً من اختلافهم يكون مبنياً على سبب، وربما كان هذا السبب نوعاً من الغائب في الطريقة الفقهية المعاصرة، أو ربما كان هذا السبب مما لا يقدَّر قدره.

مثال ذلك: إذا تكلمت عن خلاف الأئمة الأربعة، أو غيرهم ممن قبلهم أو ممن تقدمهم من الصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعين؛ وجدت أن سبب الخلاف هو التردد في كون هذه المسألة من باب النص، بمعنى: أنهم يتفقون على نوع من الدلالة في هذه الآية أو في هذا الحديث، ولكن لا يكون هذا عندهم من باب النص، وربما دخله شيء من التردد في درجة الحكم من جهة الوجوب أو عدم الوجوب؛ وذلك مثل كثير من اختلافهم في مسائل الحج، فإنك تجد أن بعضهم كان يذهب إلى لزومها، وبعضهم يذهب إلى أنها من باب المستحبات، مع أنك لو أجريت بعض الطرق الأصولية المتأخرة التي نظمها الأصوليون؛ لربما تحصل لك أن القول البيِّن هو مع أحد هؤلاء، مع أن حقيقة المسألة قد لا تكون بهذا البيان أو هذا الظهور.

وفي الجملة: أنهم إذا اختلفوا -أعني: الأئمة المتقدمين من الفقهاء والمحدثين- فإن الغالب على هذا الخلاف أن يكون له محرك وسبب يقضي به، وإذا اعتبرت هذه القاعدة العامة -ولاسيما إذا كان الخلاف ليس شاذاً- تحصل لك أن مسألة العزم على أقوالهم بالإبطال في غير ما اخترت أو رجحت، أو ما إلى ذلك؛ ليس من باب الفقه أو من باب الحكمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015