ونذكر من ثمرات الالتزام بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أنك إذا حافظت على السنة فإنك ترتقي إلى درجة المحبة، يعني: محبة الله عز وجل لعبده المؤمن، فليس أنك تحب الله؛ لأن هذا حتم عليك بالعقل قبل الشرع؛ فإنه يجب أن تحب من أحسن إليك وأوجدك من العدم، وأفاض عليك نعمه ظاهرة وباطنة، فهل هذا شأن عظيم أن يحب العبد سيده الذي أنعم عليه، وأوجده من العدم، وأفاض عليه النعم؟! هذا أقل ما يجب، لكن الشأن: أن يحب الرب العبد، أي: أن الله سبحانه وتعالى يحب العبد، فما هو الباب المؤدي إلى هذا السبيل؟ وكيف يصل الإنسان إلى هذه المرتبة العظيمة؟ فتخيل أن الله سبحانه وتعالى يحبك، وتخيل أنك إذا فعلتك هذا الشيء -وهو المحافظة على السنن- يذكر اسمك في الملأ الأعلى؛ لأنه إذا أحبك الله (ينادي سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام: (يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه.
فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في الملأ الأعلى -في الملائكة-: إن الله سبحانه وتعالى يحب فلاناً فأحبوه)، فانظر إلى الموالاة كيف يربط هذه المرتبة بين قلوب المؤمنين في الأرض وبين الملأ الأعلى من الملائكة في أعلى السماوات! قال: (ثم ينادي في الملائكة: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، ثم يُوضع له القبول في الأرض)،كل هذا نشأ عن ماذا؟ وبدأ بماذا؟ فإذا أحب الله عبده وضع له هذا القبول في السماوات قبل الأرض، فما أعظمها من منزلة! ولا يبعد عنها إلا دنيء الهمة سافلها.
إذاً: هذه أول ثمرة من ثمرات الحرص الشديد على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، فلو أعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي، فتنوع المدعون في الشهود، فقيل: لا تُقبل هذه الدعوى إلا ببينة.
وهذا عدل، فمن السهل أن الإنسان يدعي لنفسه أنه يحب الله عز وجل، أو أن الله يحبه، لكن لابد من بينة، كما يقول الشاعر: إن كنت تنوح يا حمام البان للبين فأين شواهد الأحزان أي: أين الدليل على أنك حزين؟ أجفانك للدموع أم أجفاني لا يقبل مدعٍ بلا برهان ويقول الآخر: إذا اشتبكت دموع في جفون تبين من بكى ممن تباكى فليست النائحة الثكلى كالمستأجرة، فقيل: لا تقبل الدعوى إلا ببينة، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية يمتحن بها الصادق من الكاذب: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]، فتأخر الخلق كلهم، وعند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان.
فحينما طالبهم الله سبحانه وتعالى بإقامة البينة نكص الخلق كلهم على أعقابهم، وارتدوا وفشلوا في أن يقيموا البينة، وثبت فقط أتباع الحبيب صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله وأخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم، وهؤلاء فقط هم الذين صدقت لهم دعوى المحبة، وطُرد الباقون من قاعة المحبة، ووقف فقط الذين أتوا بالدليل وبالوثائق التي تثبت صدق المحبة، وأنهم فعلاً عندهم البينة، وهي: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31].
فالله لا يحب إلا من اتبع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.