ممن حثوا على الاحتفال بتراث شيخ الإسلام ابن تيمية الشيخ عماد الدين أحمد بن إبراهيم الواسطي المعروف بابن شيخ الحزاميين رحمه الله تعالى، فهذه بعض العبارات التي يقولها في هذه الرسالة: إلى فلان وفلان وفلان وغيرهم من اللائذين بحضرة شيخهم، وشيخنا السيد إمام الأمة الهمام، محيي السنة، وقامع البدعة، ناصر الحديث، مفتي الفرق، الفائق عن الحقائق وموصلها بالأصول الشرعية للطالب الذائق، الجامع بين الظاهر والباطن، فهو يقضي بالحق ظاهراً وقلبه في العلا قاطن، أنموذج الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، الذين غابت عن القلوب سيرهم، ونسيت الأمة حذوهم، فذكرهم بها الشيخ، فكان لدارس نهجهم سالكاً، ولموات حذوهم محيياً، ولأعنة قواعدهم مالكاً، الشيخ الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله تعالى.
وابن تيمية نشأ في بيت علم، أبوه وجده أئمة، وجده هو المجد بن عبد السلام يقولون فيه: كان إماماً جليلاً، وكان نجماً لكنه لم يظهر بسبب نور الشمس وضوء القمر، نور الشمس يعني: حفيده شيخ الإسلام، وضوء القمر والد شيخ الإسلام رحمه الله تعالى؛ لأن شيخ الإسلام سطع نوره بحيث غطى على أبيه وجده رحمهم الله تعالى أجمعين.
ثم يقول مخاطباً السلفيين في عصره: واعلموا أيدكم الله -وهو من تلامذة شيخ الإسلام - أنه يجب عليكم أن تشكروا ربكم تعالى في هذا العصر، حيث جعلكم بين جميع أهل هذا العصر كالشامة البيضاء في الحيوان الأسود، لكن من لم يسافر إلى الأقطار، ولم يتعرف أحوال الناس، لا يدري قدر ما هو فيه من العافية، فأنتم إن شاء الله تعالى في حق هذه الأمة الأولى، كما قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]، وكما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ} [الحج:41]، أصبحتم تحت سنجق -يعني: لواء وراية- رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى، مع شيخكم وإمامكم، وشيخنا وإمامنا، فقد تميزتم عن جميع أهل الأرض -فقهائها وفقرائها، وصوفيتها وعوامها- بالدين الصحيح.
ثم ظل يسرد الفروق بينهم وبين هذه الطوائف التي ذكرها في كلام رائع جداً في الحقيقة فقال: ثم اعرفوا -إخواني- حق ما أنعم الله عليكم من قيامكم بذلك، واعرفوا طريقكم إلى ذلك، واشكروا الله تعالى عليه، وهو أن الله أقام لكم ولنا في هذا العصر مثل سيدنا الشيخ الذي فتح الله به أقفال القلوب، وكشف به عن البصائر عمى الشبهات، وحيرة الضلالة، حيث تاه العقل بين هذه الفرق، ولم يهتد إلى حقيقة دين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، إلى أن يقول أيضاً: فاشكروا الله الذي أقام لكم في رأس السبعمائة من الهجرة من يبين لكم أعلام دينكم وهداكم الله به وإيانا إلى نهج شريعته، وبين لكم بهذا النور المحمدي ضلالات العباد وانحرافتهم إلى آخره.
ثم يقول: ثم إذا علمتم ذلك فاعرفوا حق هذا الرجل -الذي هو بين أظهركم- وقدره، ولا يعرف حقه وقدره إلا من عرف دين الرسول صلى الله عليه وسلم وحقه وقدره، فمن وقع دين الرسول صلى الله عليه وسلم من قلبه بموقع يستحقه عرف حق ما قام به هذا الرجل بين أظهر عباد الله، يقوم معوجهم، ويصلح فسادهم، ويلم شعثهم جهد إمكانه في الزمان المظلم الذي انحرف فيه الدين، وجهلت السنن، وعهدت البدع، وصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والقابض على دينه كالقابض على الجمر، فإن أجر من قام بإظهار هذا النور في هذه الظلمات لا يوصف، وخطره لا يعرف.
ثم يقول: فالله الله في حفظ الأدب معه، والانفعال لأوامره، وحفظ حرماته في الغيب والشهادة، وحب من أحبه، ومجانبة من أبغضه وتنقصه، ورد غيبته والانتصار له في الحق.
ثم يقول أيضاً في شيخ الإسلام: واعلموا -رحمكم الله- أن هنا من سافر إلى الأقاليم، وعرف الناس وأذواقهم، وأشرف على غالب أحوالهم، فوالله ثم والله لم ير تحت أديم السماء مثل شيخكم علماً وعملاً، وحالاً وخلقاً، واتباعاً، وكرماً وحلماً في حق نفسه، وقياماً في حق الله عند انتهاك حرماته، أصدق الناس عقداً، وأصحهم عزماً، وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همة، وأسخاهم كفاً، وأكملهم اتباعاً لنبيه صلى الله عليه وسلم، ما رأينا في عصرنا هذا من تستجلى النبوة المحمدية وسنتها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل، بحيث يشهد القلب الصحيح أن هذا هو الاتباع حقيقةً، إذا علمتم ذلك -أيدكم الله تعالى- فاحفظوا قلبه، فإن مثل هذا قد يدعى عظيماً في ملكوت السماء، واعملوا على رضاه بكل ممكن، واستجلبوا وده لكم وحبه إياكم بمهما قدرتم عليه، فإن مثل هذا يكون شهيداً، والشهداء في العصر تبع لمثله.
ثم يقول أيضاً: فإني أستخير الله تعالى، وأجتهد رأيي في مثل هذا الرجل وأقول انتصاراً لمن ينصر دين الله بين أعداء الله في رأس السبعمائة، فإن نصرة مثل هذا الرجل واجبة على كل مؤمن كما قال ورقة بن نوفل: لئن أدركني يومك لأنصرنك نصراً مؤزراً.