السلفية كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، عميقة الجذور، جذورها متغلغلة تصل إلى عهد الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ما الذي يثبت هذا المنهج؟ الذي يثبته علم الإسناد وعلم الحديث؛ لأن الإسناد بالنسبة للسلفية هو شريان الحياة، وهو سر أصالتها وثباتها، والتمكين للدين لا يكون إلا على منهاج النبوة كما في الحديث: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها) إلى أن تدرج النبي عليه السلام في هذه المرحلة التي تمر بها الأمة الإسلامية إلى أن قال في النهاية: (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).
إذاً: لن تعود الخلافة إلا على منهاج النبوة، كيف نتعرف على منهاج النبوة؟ إن منهاج النبوة يدرك إما بالمعاينة -وهذا متحقق لمن صحب النبي صلى الله عليه وسلم وعايشه- وإما بالرواية وهي مهمة أصحاب الحديث، فأولى الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم وبمعرفة هديه هم أصحاب الحديث، ولذلك نحن نقول: إن هذه العقيدة عقيدة مسندة، لا توجد قضية واحدة من قضايا العقيدة إلا وهي مسندة إلى أصلها وجذورها، مسنده إلى الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان من أئمة الدين، وهذا يدل على أهمية دراسة العقيدة من الكتب المسندة، إذا أردنا أن نتعلم العقيدة تعلماً صحيحاً فعلينا أن نرجع إلى الكتب المسندة التي ألفت في القرون الأولى كصحيح البخاري ومسلم، وسنن أبي داود وغيره من أهل السنن، وكتب السنة والسنة فيها بمعنى: العقيدة -وغيرها من كتب أصول الدين ككتاب السنة لـ أحمد ولـ ابن أبي عاصم والإبانة لـ ابن بطة وعشرات الكتب التي ألفت في الصدر الأول، ودونت المذهب السلفي، وأثبتته بأسانيده.
فالمذهب السلفي في الحقيقة ليس مذهب الإمام أحمد ولا الشافعي ولا مالك، بداية المذهب السلفي يوم أن نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] هذا هو المذهب السلفي باختصار شديد، ولذلك كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عندما كان يحاج مخالفيه والمشنعين عليه يقول لهم: أنا أمهلكم عشر سنين، ابحثوا وفتشوا وائتوني بأي قول مما قلته لم يقله السلف الصالح رحمهم الله تعالى، أخرجوا أي شيء من كلامي يخالف ما كان عليه السلف، ولم يستجب أحد منهم لهذا التحدي.