بعد ذلك يستقبل القبلة ثم يلبي بالعمرة أو بالحج كما ذكرنا، فيقول: اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة، ويلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤمر المحرم برفع صوته بالتلبية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية) وقوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الحج العج والثج) وهو رفع الصوت بالتلبية.
والثج هو: ثوران دماء الهدي والأضاحي، فهذا من أفضل مناسك الحج، ولذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في حجته يصرخون بالتلبية صراخاً يرفعون أصواتهم.
قال أبو حازم: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أحرموا لم يبلغوا الروحاء حتى تبح أصواتهم.
لكن لا تكون التلبية بصوت جماعي كما يفعل الناس، القاعدة أنه حيثما شرع الجهر بالذكر فلا يكون بصورة جماعية، سواء في ختام الصلاة أو غيرها كما هو أقرب للأدلة.
كذلك في تكبيرات العيد كل إنسان يكبر وحده، وليس بالصورة الجماعية الموجودة الآن، فهذه من البدع.
كذلك أيضاً التلبية شرع فيها الجهر بالذكر، فليس من السنة أن يلبي الناس بصوت واحد في جماعة، لكن السنة أن كل شخص يلبي وحده.
والنساء يلبين كما يلبي الرجال، لكن لا يشرع للمرأة أن ترفع صوتها خشية الفتنة، وإن كان قد وردت آثار أن عائشة رضي الله عنها سمعت وهي تلبي.
ويواظب على التلبية ولا يقصر فيها؛ لأن ثواب التلبية عظيم جداً، والتلبية من شعائر الحج، ومن تعظيم شعائر الله أن تواظب على التلبية طوال فترة الإحرام، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمينه وعن شماله من شجر وحجر حتى تنقطع الأرض من هنا وهنا)، يعني: عن يمينه وشماله؛ وبخاصة كلما علا شرفاً أو هبط وادياً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطاً من الثنية له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية) وفي حديث آخر: (كأني أنظر إليه إذ انحدر في الوادي يلبي).
ويجوز أن تخلط التلبية بالتهليل، أي: بلا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلطها بتلبية أو تهليل، فإذا بلغ الحرم المكي ورأى بيوت مكة أمسك عن التلبية).
وبعض العلماء يقول: إن من كان محرماً بالعمرة قطع التلبية عند وصوله إلى الحجر الأسود، أما الحج فيلبي باستمرار ولا تنقطع التلبية إلا عند رمي جمرة العقبة.