فإذا أتى الميقات وأراد الإحرام نوى بقلبه العمرة أو الحج، فإذا استوى على الدابة وابتدأ السير استقبل القبلة وحمد الله وسبح وكبر ثم قال: لبيك اللهم بعمرة إن كان معتمراً أو متمتعاً، أو: لبيك اللهم بحجة وعمرة إذا كان قارناً قد ساق الهدي، أو: لبيك اللهم بحجة إذا كان مفرداً.
وللمرء أن يشترط إذا كان مريضاً يخشى الوجع، ويخاف أن صحته لا تساعده فيضطر للرجوع، فيقول: لبيك اللهم لبيك! ومحلي من الأرض حيث تحبسني، ويقول: اللهم هذه عمرة، أو اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة، ثم يرفع صوته ملبياً بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينوي النسك: لبيك اللهم لبيك! لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك.
فيكررها، ويستحب ألا يزيد عليها، لكن يجوز أن يزيد زيادات أخرى كما كان بعض الصحابة يقولون: لبيك إله الحق لبيك.
أو يزيد مثلاً: لبيك ذا المعارج، ولبيك ذا الفواضل، أو: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك والعمل، فهذا جائز فقط لا مستحب، فلا تنكر على من فعل هذا، لكن الأفضل أن تلزم تلبية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي الصيغة المشهورة المعروفة، فيلزم التلبية ويحافظ عليها؛ لأنها من شعائر الحج.
والتلبية مأخوذة من لبى، بمعنى: أجاب، فكلمة (لبيك) معناها تلبية بعد تلبية، فمعناها هنا المسمى، وتسميتها للتكثير أي: إجابة لك بعد إجابة ولزوماً بطاعتك، يقول الإمام النووي رحمه الله: اتفق العلماء على استحباب التلبية، ويستحب الإكثار منها في دوام الإحرام، وتستحب قائماً وقاعداً وراكباً وماشياً وجنباً وحائضاً، ويتأكد استحبابها في كل صعود وهبوط، وحدوث أمر من ركوب أو نزول أو اجتماع رفقة أو فراغ من صلاة، وعند إقبال الليل والنهار، ووقت السحر، وغير ذلك من تغاير الأحوال.
وليس للإحرام صلاة تخصه كما يتوهم كثير من الناس، لكن السنة أن تحرم بالحج أو العمرة عقب صلاة فرض أو نافلة؛ لكن ليس هناك سنة مستقلة للإحرام، فإذا كان الإحرام في وقت من أوقات النهي عن الصلاة فلا تصلي ركعتين تنفلاً بنية الإحرام؛ لأنهما ليستا من ذوات الأسباب، لكن السنة أن يكون الإحرام عقب صلاة فرض أو نافلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم عقب صلاة الظهر، لكن إذا كان ميقات الشخص من ذي الحليفة استحب له أن يصلي في هذا المكان عند ذي الحليفة لا لخصوص الإحرام وإنما لخصوص المكان وبركته.
فقد روى البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: (أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك وقل: عمرة في حجة، أو عمرة وحجة).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه رأي -وفي رواية: أري- وهو معرس بذي الحليفة ببطن الوادي، قيل له: إنك ببطحاء مباركة) فلذلك أمر بالصلاة في هذا المكان.
فمن كان ميقاته من ذي الحليفة فلا بأس أن يصلي في هذا الوادي لخصوص الوادي المبارك وليس لسنة الإحرام.