أيضاً من هذه الإجراءات: تحريم مس الأجنبية ومصافحتها، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له).
وقال عليه الصلاة والسلام: (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه).
الشاهد قوله عليه الصلاة والسلام: (واليد زناها البطش) وهو أن يمس بها امرأة أجنبية.
وبعض المتساهلين بمصافحة النساء يقول: الصغيرة مثل أخته، والكبيرة مثل أمه! إذاً: حدود الله تنسى وتمحى، فيتساهل الناس في هذه المعصية، ويحتجون بطهارة القلب وسلامة النية، ويقول بعضهم: إنه لا يتأثر بذلك! فلا شك أن هذا ينادي على نفسه بنقص صفات الرجولة، وهو كذاب في دعواه قطعاً؛ لأن أطهر ولد آدم صلى الله عليه وسلم قال: (إني لا أصافح النساء)، وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (وما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة إلا امرأة يملكها) أي: يملك نكاحها، فهل هو أطهر قلباً من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟! أيضاً: هناك تنبيه تمس الحاجة إليه فيما يتعلق بالمصافحة وغيرها، وهو أن بعض الناس يتهاونون بمثل هذه الأحكام بزعم أن المرأة تمد يدها فيصافحها، ويقول: أنا استحييت، أو المرأة تقول: أنا استحييت، فيقول: صافحت حتى لا أحرجه أو حتى لا أحرجها، فهذا في الحقيقة ليس بحياء، هذا عجز عن المحافظة على حدود الله، فأنت راعيت حق العبد وضيعت حق الله، وكان ينبغي أن تغار على حدود الله سبحانه وتعالى أكثر من خشيتك أن تغضب هذا العبد.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: لقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يأخذ نفسه بالحياء ويأمر به، ويحث عليه، ومع ذلك لا يمنعه الحياء من حق يقوله، أو أمر ديني يفعله، تمسكاً بقوله في الحديث: (إن الله لا يستحيي من الحق).
وهذا هو نهاية الحياء وكماله، وحسنه واعتداله، فإن من فرط عليه الحياء حتى منعه من الحق، فقد ترك الحياء من الخالق واستحيا من الخلق، ومن كان هكذا حرم منافع الحياء، واتصف بالنفاق والرياء، والحياء من الله هو الأصل والأساس، فإن الله أحق أن يستحيا منه، فليحفظ هذا الأصل فإنه نافع.