احتياطات الإسلام شرعت من أجل صيانة الأعراض، فما هي هذه الاحتياطات التي شرعها الله سبحانه وتعالى لسد ذرائع الفتنة بالمرأة؟ لا شك أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وهو أعلم به، قال عز وجل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]، فمن حكمة الله سبحانه وتعالى أنه ركب في الإنسان شهوة الفرج تركيبا قوياً، وجعل لها عليه سلطاناً شديداً، فإذا ثارت فإنها تكون أشد الشهوات عصياناً، فإن لم يكن عند الإنسان تقوى وورع وخوف من الله، فإنه لا يمنعه من المعصية شيء.
قالت مريم عليها السلام: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا} [مريم:18]، علمت أن التقوى تحجب صاحبها عن المعصية فأرادت أن تذكره بالتقوى.
والدليل على شدة هذا الميل في الإنسان أنه يحتمل بكل الرضا مشاق وتكاليف الزوجية، وتربية الأولاد والكد والتعب من أجلهم، بحيث صار الإنسان مسوقاً عن طريق هذه الشهوات إلى التناسل وعمارة الدنيا؛ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
والمرأة من طبعها استهواء الرجل، والسيطرة على مشاعره، وامتلاك حسه ولبه، وفي سبيل إغوائه وتوجيه نظره إليها؛ قد تصنع من ألوان الفتن ما يجر إلى المنكر.
فإذا ترك الناس لدواعي هذه الشهوات فسدت الأعراض وفشت الإباحية، فالله سبحانه وتعالى خلق الرجل والمرأة والشيطان، وقد بين الله أن هدف الشيطان الأساسي في موضوع المرأة أن يوقع العبد في حضيض الفاحشة الكبرى والعياذ بالله والشيطان عنده خبرة بهذه الأحابيل وهذه الأساليب، فيسلك مسالك الاستدراج وإغراء الإنسان بالشهوات عن طريق خطوات بعضها يقود إلى بعض كدرجات السلم، ولذلك عندما يحذرنا الله سبحانه وتعالى من فتنة الشيطان يقول: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:168]، سماها خطوات؛ لأنه يستدرج الإنسان خطوة خطوة، فإن أول ما يبدأ الشيطان بفتنة الإنسان في هذا الباب بالنظرة، فإذا تسامح الإنسان في النظر فإن النظرة تولد خطرة، وهذه الخطرة -أي: الفكرة- تطرق القلب، فإن دفعها العبد استراح مما بعدها، وإن لم يدفعها قويت فصارت وسوسة، فكان دفعها أصعب، فإن بادر ودفعها وإلا قويت وصارت شهوة، فإن عالجها وإلا صارت إرادة، فإن عاجلها وإلا صارت عزيمة، فإذا وصلت إلى هذه الحال لم يمكن دفعها واقترن بها الفعل ولا بد.
ودفع مبادئ هذه الفتنة أسهل مما بعد ذلك، فإذا غض المرء بصره كما أمر الله كفي شر هذه الفتنة، لكن إذا اتبع الشيطان فلم ينته واستجاب لهذا الاستدراج فإنه يقع فيما هو أصعب، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:21]، ولهذا لما أراد ربنا سبحانه وتعالى أن ينهى العباد عن فاحشة الزنا لم يقل لهم: ولا تزنوا، ولكنه قال لهم: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:32]، فنهى عن مجرد الاقتراب منه، وهذا أبلغ؛ وقال عز وجل: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة:187] فكيف بمن يتعداها ويتخطاها؟! فنقول: إن من أجل شدة هذه الفتنة على العباد فإن الشريعة الإسلامية جعلت أحد مقاصدها العليا الحفاظ على العرض، فإذا تأملت جميع الأحكام التي تتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة في الإسلام وجدتها كلها تصب في هذا الهدف، وهو الحفاظ على الأعراض، ومنع وقوع فاحشة الزنا والعياذ بالله.
فمن أجل تعظيم حرمات الله، وصيانة الأعراض، والمحافظة على النفس، وتطهير المجتمع من الرذيلة؛ اتخذت الشريعة في مواجهة هذه الفتنة اتجاهين: اتجاه وقائي، واتجاه علاجي.
الاتجاه الوقائي يمنع وقوع الفاحشة عن طريق سد الذرائع التي تؤدي إليها سداً محكماً.
والاتجاه العلاجي عن طريق فتح أبواب التعفف والحصانة على مصارعها، وشق الطرق المعبدة الممهدة التي توصل إلى ما أحل الله سبحانه وتعالى.