نموذج من التعنت وكثرة الأسئلة

إذا أتى الأمر الشرعي فامتثله ولا تستتبع حتى لا يأتيك الجواب بما يسوؤك ويثقل عليك، كما حصل مع بني إسرائيل، حين أمروا أن يذبحوا بقرة، فالتنطع في الأسئلة وكثرة مراجعتها خلق إسرائيلي يهودي، خلق المغضوب عليهم، ولو أنهم عمدوا إلى أي بقرة وذبحوها لكانت تجزئهم؛ لأن الأمر كان بأي بقرة، كما قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [البقرة:67 - 68] وانظر إلى سوء الأدب مع الله {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة:68]، اسألوه عن السن، فأتاهم الجواب عن السن: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} [البقرة:68] وما كفاهم التقيد بقيد السن، بل تنطعوا: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا} [البقرة:69] هذا هو بيان (إن تبد لكم تسؤكم) لما في ذلك من التضييق والتشديد.

{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:69 - 70] فلبركة هذا الاستثناء (وأنا إن شاء الله) أتاهم الجواب الفاصل في النهاية: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة:71] وهذا أيضاً من سوء القول، وكأنه من قبل ما أتى بالحق.

فهذا نموذج من نماذج التنطع والتشدق وتتبع الأسئلة وتقريعها مما يورد هذه المشاق وهذا العنت، فالواجب الاستسلام لأمر الله عز وجل كيفما كان دون السؤال عن الكيفية أو الكمية.

فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} [المائدة:101] معناه: لا تكثروا مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما لا يعنيكم من نحو تكاليف شاقة عليكم؛ لأنه إن أفتاكم بها وكلفكم إياها حسبما أوحي إليه فلن تطيقوها، ونحو بعض أمور مستورة إذا سألتم وبرزت سوف يسوءكم الجهر بها.

وقوله تعالى: (عفى الله عنها) يعني: عفا عن تلك الأشياء حين لم ينزل فيها القرآن، ولم يوجبها عليكم توسعة عليكم، فأنتم بالسؤال قد تفتحون باب التضييق عليكم.

أو: عفى الله عن بيانها كي لا يسوءكم بيانها.

قال تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} [المائدة:102] (ثم أصبحوا بها) أي: بسببها (كافرين) لأنهم لما أجيبوا بما سألوا عنه لم يمتثلوا هذا الذي وجب عليهم بسبب السؤال، ولم يفعلوه، وقد كان بنو إسرائيل يستفتون أنبياءهم عن أشياء فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا، والمعنى: احذروا مشابهتهم والتعرض لما تعرضوا له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015