غضب النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة الأسئلة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: فقد روى البخاري رحمه الله تعالى بسنده في (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة) في (باب ما يكره من كثرة السؤال) عن الزهري قال: أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس، فصلى الظهر، فلما سلم قام إلى المنبر فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أموراً عظاماً، ثم قال: من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم فيه ما دمت في مقامي هذا.

قال أنس: فأكثر الأنصار البكاء) يعني أن الرسول عليه الصلاة والسلام فتح لهم باب السؤال، وكأنه كان مغضباً من كثرة السؤال، فلذلك قال: ما دمتم تكثرون الأسئلة إذاً فاسألوا، فوالله لا يسألني أحد سؤالاً إلا أجبته عنه.

يقول: (من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه، فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامكم هذا.

قال أنس: فأكثر الأنصار البكاء - خوفاً من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم- فأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: سلوني، سلوني.

قال أنس: فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: النار.

فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك حذافة.

قال: ثم أكثر أن يقول: سلوني، فبرك عمر على ركبتيه - علم عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب من كثرة أسئلتهم- وقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً.

فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك، ثم قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط وأنا أصلي، فلم أر كاليوم في الخير والشر).

وعند مسلم: قال ابن شهاب: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قالت أم عبد الله بن حذافة -وقد كان الناس يطعنون في نسبته إلى أبيه حذافة، فلما فتح الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الفرصة ليجيب عن أي سؤال سأل هذا

Q من أبي يا رسول الله؟ وأراد بذلك أن يحسم هذا الكلام، فلما وقع منه ذلك ورد عليه الصلاة والسلام وقال أبوك: حذافة.

قالت له أمه-: (ما سمعت بابن قط أعق لأمه منك! أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف النساء من أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟ قال عبد الله بن حذافة: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته.

هذا الحديث رواه الإمام البخاري في (باب ما يكره من كثرة السؤال)، وذلك في (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة)، والحقيقة أن كثرة السؤال وعدم الانشغال بالعمل، وترك الإعراض عن تشقيق الأسئلة وتفريعها والجدل، والسؤال عما لا يعني ظاهرة بلا شك من الأخلاق المضادة تماماً لسلوك السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم؛ فإن الله سبحانه وتعالى لا يحب كثرة السؤال والجدل والمراء والتكلف والتنطع في الأسئلة، وتتبع المغاليق من المسائل، وتتبع سقطات الناس وأغلاطهم كل هذا مما يتنافى مع قول السلف الصالح رحمهم الله تعالى.

وفي بداية الحديث أحب أنبه على أن ما سنذكره لا نذكره من أجل المتعة الذهنية، أو زيادة المعلومات النظرية، وإنما المقصود أن ينعكس على سلوكنا، وإذا ما انشغلنا بالعلم النافع فلن نحتاج إلى كثرة الأسئلة، إذا انشغلنا بالعلم وبالقرآن الكريم، وبحفظ القرآن، وبذكر الله عز وجل لن نقع في هذا الخلق الذي ذمه السلف الصالح رحمهم الله تعالى أجمعين.

فأنت ترى كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام غضب لما كثرت أسئلة الصحابة، فوقف وقال لهم: (سلوني) أي: ما دمتم تريدون كثرة الأسئلة إذاً سلوني ما شئتم، فأي شيء تسألون عنه سوف أجيبكم عنه ووقع ما وقع كما في الحديث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015