يكثر الكلام في وعيد ترك الصلاة وخطورة التقصير في الصلاة وبيان أهميتها، وسنتعرض لزاوية أخرى من البحث تليق بطلبة العلم؛ إذ إنهم يضعون الكلام في مواضعه، ولا يغترون بأمثال هذه القضايا الخلافية، وظننا بهم أنهم لن يقعوا فيما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (لا تخبرهم بها لئلا يتكلوا) فإذا كان الخطاب مع طلبة علم فلا بأس به؛ لأنهم يفهمون الكلام ويضعونه في مواضعه، بل لابد من توضيح هذه الأحكام، خاصة أن الكلام فيها يترتب عليه الكثير من الأحكام الخطيرة.
فمثلاً إذا قلنا بقول بعض العلماء، وهو الحكم بكفر تارك الصلاة وخروجه من الملة بالكلية فمعنى ذلك أنه يكون مرتداً لا حظ له في الإسلام، فهذه ليست كلمة تقال وحسب، لكن وراءها عواقب خطيرة جداً، سواء في أحكام الدنيا أو في أحكام الآخرة، فمن أحكام الدنيا سقوط ولايته، فلا يجوز أن يولى أي ولاية، فلا يولي الولاية العظمى، ولا يولى الولاية في النكاح، فلا يصلح لأن يزوج بناته؛ لأنه غير مسلم فلا يؤتمن عليهن، ولا يولى على القاصرين من أولاده وغيرهم.
ومنها -أيضاً-: أنه يسقط إرثه من أقاربه؛ لأن الكافر لا يرث المسلم، والمسلم لا يرث الكافر، كما جاء في الحديث المتفق عليه.
ومنها أنه يحرم عليه دخول مكة، فلا يجوز له أن يمكن من دخول الحرمين الشريفين؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28].
ومنها: تحريم ما ذكاه، فإذا ذكى شيئاً من بهيمة الأنعام -الإبل أو البقر أو الغنم- أو ذكى دجاجة وحكمنا بكفره فلا يحل أكل ما ذكاه، لأنه مثل الميتة ولأن من شروط الذكاة الشرعية أن يكون المذكي مسلماً أو كتابياً.
فذبيحة الكتابي اليهودي أو النصراني تحل بشرطها، لكن لا تحل ذبيحة هذا المرتد.
ومن ذلك أنه تحرم الصلاة عليه بعد موته، ولا يجوز الدعاء له بالمغفرة والرحمة.
وكذلك تحريم نكاحه المرأة المسلمة، إذا قلنا بالكفر فلا يجوز أبداً لكافر أن يتزوج مسلمة كما هو معلوم.
وأما الأحكام الأخروية فمنها أن الملائكة توبخه وتقرعه، بل تضرب وجهه ودبره إذا توفته، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [الأنفال:50 - 51].
ومنها أنه يحشر مع الكفرة والمشركين، قال تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:23].
ومنها الخلود في النار أبد الآبدين، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ} [الأحزاب:64 - 66] فهذه بعض الإشارات إلى ما يترتب على الحكم بتكفير تارك الصلاة.
فهذا الموضوع ليس موضوعاً نظرياً، بل يترتب عليه أحكام، ونحن نواجه هذه المشاكل في حياتنا العملية، وفي الأسئلة الموجهة لنا، فلابد من أن نكون على بصيرة من حقيقة الخلاف في هذا الأمر.