وهذه السورة يؤخذ منها قوة دلالة الإشارة والإيماء، كما جاء في قصة ابن عباس مع عمر رضي الله عنه، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟! فقال عمر: إنه ممن قد علمتم) أي: ابن عم الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم! فقه في الدين وعلمه التأويل)، فظهرت استجابة الله لدعوة النبي عليه الصلاة والسلام في العلم الزاخر الذي جمعه هذا الحبر رضي الله تعالى عنه.
يقول ابن عباس: (فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذٍ إلا ليريهم، فقال: ما تقولون في قول الله سبحانه وتعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقال: فقلت: لا، فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، فقال عمر: وأنا لا أعرف فيها إلا كما قلت) أي أنه صلى الله عليه وسلم جاء لأداء مهمة وقد تمت بمجيء النصر والفتح والدخول في دين الله أفواجاً، وعليه يكون قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة، فليستعد لملاقاة ربه ليلقى جزاء عمله.
فهذا مأخذ واستنباط وفهم وفقه دقيق لهذه الآية.
فاللهم! صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.