يقول بعض الشعراء: مرت سنين بالوصال وبالهنا فكأنها من قصرها أيامُ ثم انثنت أيام هجرٍ بعدها فكأنها من طولها أعوامُ ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلامُ! فما دام الموت نهاية كل حي، فمهما طال عمر الإنسان فهو قصير، فإن البعيد ما ليس بآتٍ، لكن كل ما هو آتٍ فهو قريب، يقول بعضهم: وإذا كان آخر العمر موتاً فسواء قصيره والطويلُ ومما يروى في الآثار: أن نوحاً عليه السلام أتاه ملك الموت، فقال له: يا أطول الأنبياء عمراً -عاش ألف سنة- كيف وجدت الدنيا؟ قال: وجدتها كدارٍ لها بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر!! يقول الله عز وجل -مشيراً إلى سرعة انقضاء الوقت-: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46]، كل عمر الدنيا هذا كأنه عشية أو ضحاها!! ويقول عز وجل: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} [يونس:45].
فالمقصود: أن هذه الخصائص المهمة للوقت لابد من تذكرها، وعدم الالتفات إلى قول البعض بأنهم يقتلون الوقت، وما هو إلا انتحار بطيء كما ذكرنا.
وأيضاً: لابد أن ننتبه إلى أنه لا يوجد شيء اسمه فراغ؛ لأن الفراغ لا يبقى فراغاً، لكنه لابد أن يملأ بخير أو بشر، ويوضح هذا قول الحسن البصري: نفسك إن لم تشغلها بالحق، شغلتك بالباطل.
فإذا كان هناك إنسان فارغ فلابد أن ينشغل، فإن لم يبادر ويشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل.
قال بعض السلف: الفراغ للرجال غفلة، وللنساء غلمة، أي: يحرك الشهوات.
وقال بعضهم: إن الشباب والفراغ والجِدَة مفسدة للمرء أي مفسدة فهذه معادلة، ومعنى الجدة أي: توافر المال ويسر الحال، فهذه الأمور الثلاثة تساوي: مفسدة للمرء أي مفسدة.
وقال آخر: لقد هاج الفراغ عليه شغلاً وأسباب الفراغ من البلاءِ أي: تسبب له في أن تعلق قلبه بالشهوات وأحلام اليقظة!