ذكرنا سابقاً أنه يجب على الإنسان قبل أن ينتقد شخصاً أن يعرف قدره، فهذا عمر يقول: رحم الله امرأ عرف قدر نفسه، وهذا يكون من الجانبين، أي: أن تعرف قدر نفسك، وأن تعرف قدر من تتكلم فيه، فنحن نعرف قدر العلماء الأفاضل، وندرس سيرتهم قبل أن نتكلم عنهم، فإن معرفة قدر الرجل الذي تتكلم عنه له تأثير في أسلوب كلامك معه، وحسن ظنك به، فالماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، وأما إذا كان غالب القلتين خبث، وفيهما القليل من الماء الطاهر فإن الأمر ينعكس.
إذاً: فرحم الله امرأ عرف قدر نفسه ولم يناطح العلماء الجبال، وإذا كان هو دجاجة تمشي على الأرض فلا يناطح النسور في عنان السماء.
إن هذا الأمر في غاية الأهمية، فعلينا أن نعرف أقدار العلماء وسيرهم وحياتهم؛ كيلا نبخسهم حقهم، وعلينا أن نستصحب الأصل؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم استصحب الأصل مع الناقة البهيمة، وذلك حينما قال الصحابة: (خلأت القصواء، فقال: خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل) فدافع عن عرض الناقة، وقال: (وليس لها ذلك بخلق)، فكيف بعالم جليل من علماء المسلمين؟! أننصت إلى من يرجف بالإشاعات والأكاذيب والتضليل ولا نستصحب هذا الأصل؟! حتى وإن أخطأ فهذا مغمور في بحر علمه وفضله، فيجب علينا أن ننصف في حكمنا على الناس، وفي الجانب الآخر أن نعرف هذا الذي يتكلم وينعق كالغراب الناعق، ويشذ عن أهل السنة والجماعة، ويأتي بهذه الأفكار الضالة المضلة أن نعرف ما هو حظه من العلم؟ ونحتاج أن نعرف ترجمته وحياته وعلمه؛ لنعطيه حجمه الذي يستحقه.
يقول الشاطبي رحمه الله تعالى: قلما تقع المخالفة لعمل المتقدمين إلا ممن أدخل نفسه في أهل الاجتهاد غلطاً أو مغالطة.
وقال شكيب أرسلان: ومن أعظم أسباب تأخر المسلمين: العلم الناقص، فهو أشد خطراً من الجهل البسيط؛ لأن الجاهل إذا قيض الله له مرشداً عالماً أطاعه، ولم يتفلسف عليه، وأما صاحب العلم الناقص فهو لا يدري، ولا يقتنع أنه لا يدري، وكما قيل: ابتلاؤكم بمجنون خير من ابتلاؤكم بنصف مجنون، وأقول: ابتلاؤكم بجاهل خير من ابتلاؤكم بشبه عالم.