قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء)، وهنا كلمة الثوب يقصد بها أيّ ثوب سواء كان سروالاً أو إزاراً أو غيره (لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقال أبو بكر: يا رسول الله! إن أحد شقّي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لست تصنع ذلك خيلاء) وهذا الحديث نحن سوف نتكلم عليه إن شاء الله فيما يلي بالتفصيل؛ لأن بعض الناس يأخذون منه أن الإنسان يجوز له أن يطول ثيابه ما لم يقصد بذلك الخيلاء، لكن أين هم من أبي بكر؟ أبو بكر ما كان يقصد ذلك عمداً؛ لأن الثوب أصلاً قصير، كان يضم الإزار بحيث إنه يكون قصيراً، لكن بسبب نحافة أبي بكر كان يسترخي فيتعاهده، ومع ذلك فكلما استرخى كلما رفعه، فهو حريص على عدم جرّ الثوب لكنه يسترخي منه أصلاً من غير قصد.
فهذا فرق بين فعل أبي بكر وبين من يتعمد أن يصنع ثوبه طويلاً، ويقول للخياط مثلاً: اصنعه لي إلى الطول الفلاني، وأبو بكر حريص على تقصير الثوب لكنه يسترخي، ثم هو يتعاهده ويحرص على رفعه حتى ينسدل، فواساه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إنك لست تصنع ذلك خيلاء).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به، فهو يجلجل في الأرض إلى يوم القيامة) وحتى اليوم هذا فإن الرجل لا زال يعاقب بهذا الذنب، سبحان الله هذا أمر عظيم! وقوله: (فهو يتجلجل فيها) أي: كأنه شُقّ له شق في الأرض فهو يسوخ في الأرض مع اضطراب شديد ويندفع، والعياذ بالله، حتى يومنا هذا وإلى يوم القيامة؛ لتكبره.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بينما رجل يتبختر يمشي في برديه، قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإسبال في الإزار والقميص والعمامة، من جر منها شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يتبختر في حلة معجب بجمته)، يعني: بشعره وقد أطاله، (إذ خسف الله به فهو يتجلجل، أو قال: يهوي فيها إلى يوم القيامة).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء).
كل هذه الأحاديث تدل على أن من تعمد الخيلاء فوعيده أشد ممن لم يتعمد.
وعن هبيب بن مغفل الغفاري: أنه رأى محمداً القرشي قام يجر إزاره، فنظر إليه هبيب وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من وطئه خيلاء وطئه في النار)، ووطء الثوب يكون لمن ثوبه طويل يجرجر وهو يمشي، فإنه لطول الثياب يُداس بالرجل.
هذه الأحاديث وإن كان في بعضها ذكر الإسبال، لكن المقصود الإسبال وما هو فوق الإسبال من التكبر والإعجاب بالنفس، ولا تعارض بينها وبين ما سبق في أحاديث الإسبال، لكن هذه فيها أن الوعيد زائد؛ لأنه بقصد الخيلاء، وأنه يقصد التكبر والتبختر؛ لأن أهل النار ليسوا متساوين في العذاب، فالنار دركات كما إن الجنة درجات.
وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما أغنيت عن عمك -يقصد أبا طالب - فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار).
فهذا يدل على أن النار دركات حسب الذنب الذي قد يوقع فيها، لكنّ أصل الوعيد موجود، مع اختلاف أنواع العذاب.
فالخلاصة: أن جر الإزار إن كان بغير قصد الخيلاء فله عذاب معين، وإن كان بقصد الخيلاء فإن العقوبة أدهى وأمر، والعذاب قد جاء به الوعيد للفريقين، نسأل الله العافية والسلامة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.