من آداب السلام

قوله: (قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله، قلت: عليك السلام يا رسول الله! عليك السلام يا رسول الله!) قالها مرتين، فلعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمعه في المرة الأولى فلم يجبه، أو أنه سمعه وامتنع عن جوابه تأديباً له؛ لأنه سلّم بطريقة غير صحيحة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقل: عليك السلام) وهذا النهي نهي تنزيه، أي: لا تبدأ التحية بكلمة: عليك السلام؛ فإن (عليك السلام تحية الميت)؛ لأن هذه كانت تحية الميت وكانت عادتهم في زمان الجاهلية، حيث لم يكن لهم وعي بالأمور الشرعية التي يحبها الله.

وقال بعض العلماء: أراد أنه ليس مما يُحيّا به الأحياء، وأنه شُرع له أن يحيي صاحبه، وشرع له أن يجيبه، وقد جاءت في الشريعة صيغة معينة لابتداء السلام وصيغة أخرى لرد السلام، فصيغة ابتداء السلام أن تبدأ بكلمة: السلام عليك، ويأتيك

صلى الله عليه وسلم عليك السلام، فوضْعُ الجواب في موضع الابتداء غير موافق للآداب الشرعية في ابتداء السلام، فلذلك قال له: (لا تقل: عليك السلام، (عليك السلام) تحية الميت).

فلا يحسن أن لما وُضع للجواب أن يوضع موضع التحية التي يبتدأ بها، فهذه تحية الميت عند الجاهلية كما كانوا يقولون: عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما فكانوا في الجاهلية يحيون الميت بقولهم: عليك السلام، فيمكن أن تبدأ في تحية الميت بقولك: عليك السلام، وإن كان قد ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدأ تحية الأموات بالسلام، فكان يقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين) فكان يبدأ أولاً بالسلام، يوضح هذا كلام بعض العلماء: أنه لم يرد بهذا الحديث أنه ينبغي أن يُحيّا الميت بهذه الصيغة -أي: عليك السلام- إذ قد سلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأموات بقوله: (السلام عليكم)، وإنما أراد به أن هذا تحية تصلح أن يُحيّا بها الميت لا الحي، فهي يمكن أن تقولها للميت؛ لأن الميت لن يرد عليك، أما حينما تحيي الحي فتقول: عليك السلام، فهذا لمعنيين: المعنى الأول: أن (عليك السلام) شرعت لجواب التحية، ومن حق المسلم أن يحّيي صاحبه بما شرع له من التحية، فيجيب صاحبه بما شُرع له من الجواب، فإذا قلت في الابتداء: عليك السلام، فقد جعلت الجواب مكان الابتداء بالتحية، وهذا للحي، أما في حق الميت فإن الغرض من التسليم عليه أن تشمله بركة السلام، والجواب غير منتظر في هذه الحالة، فأنت لا تنتظر من الميت أن يقول: وعليك السلام، فإذا بدأته بعليك السلام، فهذا يناسب هذا المقام ولا يعترض؛ لأن (عليك السلام) يقولها الحي جواباً للسلام عليك، فيجوز أن يسلم الإنسان على الميت بكلتا الصيغتين.

المعنى الآخر: أن من فوائد السلام أن المسلم يُسمع الذي يسلم عليه لفظ السلام أولاً، وهذا يحدث نوعاً من الاستئناس والألفة حينما تبدأ بالسلام عليك، أما حينما تقول: عليك السلام، ربما توجس السامع هل سوف تلعنه؟ هل ستدعو عليه؟ هل سوف تسبه؟ فربما أحدثت وحشة، أما حينما تبدأه بالسلام عليك، فقد بدأت بما يُطمئنه وهو لفظ السلام، فيحصل الأمن من قلبه، فأمر الشرع بالمسارعة إلى إيناس الأخ المسلم بتقديم السلام، وهذا المعنى غير مطلوب في الميت، فساغ للمسلم أن يفتتح من الكلمتين بأيتهما شاء.

وقيل: إن عُرف العرب أنهم إذا سلموا على قبر قالوا: عليك السلام، فقال عليه الصلاة والسلام: (عليك السلام تحية الميت) على وصف أعراف العرب وعادتهم، لا أنه ينبغي أن يُسلّم على الأموات بهذه الصيغة، خاصة وأن الذي ثبت في السنة: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين) إلى آخره.

وبعض العلماء قالوا: إن (عليك السلام) هنا هي جواب النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه في مقام الرد، فقال: (عليك السلام)، ثم قال: (تحية الميت) فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هي تحية الميت، ثم قال له: (قل: السلام عليك) يعني: إذا سلمت، فإن الأفضل أن تبدأ بلفظ السلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015