الهجرة في سبيل الله

ومن أسباب سعة الرزق الهجرة في سبيل الله عز وجل: والهجرة هي الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكة إلى المدينة، يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} [النساء:100] يعني: إذا هاجر من بلد إلى بلد يجد في هذه الأرض التي هاجر إليها من الخير والنعمة ما يكون سبباً لرغم أنف أعدائه الذين كانوا معه في بلدته، وذلك أن من ترك بلده وذهب إلى بلدة أخرى واستقر أمره فيها، وصل ذلك الخبر إلى أهل بلدته فخجلوا من سوء معاملتهم معه، ورغمت أنوفهم بسبب ذلك، وقوله: (وَسَعَةً)، يعني: سعة في الرزق، أو سعة من الضلالة إلى الهدى، ومن العيلة إلى الغنى، وقال مالك: السعة سعة البلاد.

وقد شهد العالم بصدق هذا الوعد ولا يزال يشهد، وما أمر المهاجرين إلى المدينة المنورة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخاف على من له أدنى صلة بالتاريخ الإسلامي، فإنهم لما تركوا البيوت والأموال والمتاع للهجرة في سبيل الله تعالى عوضهم الله تعالى عنها أن أعطاهم مفاتيح الشام وفارس واليمن، وملكهم قصور الشام الحمراء، وقصر المدائن الأبيض، وفتح لهم أبواب صنعاء، وسخر لهم خزائن قيصر وكسرى.

فخلاصة تفسير هذه الآية كما قاله الرازي: كأنه قيل: يا أيها الإنسان! إن قلت إنما تكره الهجرة عن وطنك خوفاً من أن تقع في المشقة والمحنة في السفر؛ فلا تخف فإن الله تعالى يعطيك من النعم الجليلة العظيمة في مهاجرتك ما يكون سبباً لرغم أنوف أعدائك فيكون سبباً لسعة عيشك.

فالحركة والسعي في الأرض لطلب الرزق الحلال ليس فيه حرج، وقد وعد الله من هاجر في سبيل الله سبحانه وتعالى بالرزق والإخلاف، لكن لا تكون هذه الهجرة محرمة، كالهجرة التي انعكس اتجاهها الآن، فبدلاً من أن تكون الهجرة من بلاد الكفر إلى دار الإسلام صارت الهجرة الآن من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفار! فمن الذي يأمر بالهجرة إلى دار الكفار الله أم الشيطان؟ الشيطان، والذي يهاجر إلى بلد الكفار فإنه يطيع أمر الشيطان، ويعصي أمر الرحمن سبحانه وتعالى، إلا من كان معذوراً في حالات استثنائية، لكن أكثر الناس يريدون بذلك صلاح الدنيا فقط، فيعطون الدنيا هناك لكن لا يبارك لهم فيها، ويكون الرزق مشوباً بالشبهات أو المحرمات.

التفكير في السفر إلى بلاد الكفار تفكير مهلك، والذي يأمر بالهجرة من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفر ابتغاء سعة الدنيا هو الشيطان، وهذا لا يجوز إلا لمن كان معذوراً، فإن الله سبحانه وتعالى يأمر من هم في بلاد الكفار أن يغادروها إلى بلاد المسلمين، فالمهاجر إن عانى في دنياه، لكن يسلم له دينه، أما هناك فمن يستطيع أن يزعم أن هناك سلامة في الدين؟ بل هي فتنة الدين، وضياع وانحراف عن هدي الإسلام كما هو معلوم.

خلاصة الكلام: ذكر المؤلف في هذا الكتيب المبارك عشرة أسباب مما يستنزل به رزق الله سبحانه وتعالى، وهي: الاستغفار والتوبة بالمقال والفعال، التقوى، التوكل، التفرغ لعبادة الله سبحانه وتعالى، والمتابعة بين الحج والعمرة، وصلة الرحم، والإنفاق في سبيل الله تعالى، والإنفاق على أهل الخير سيما طلبة العلم الشرعي، والإحسان إلى الضعفاء، والمهاجرة في سبيل الله عز وجل، وهي الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان، ابتغاء مرضاة الله تعالى وفق ما شرعه الله عز وجل.

ثم يقول المؤلف في نهاية البحث: وأوصي إخواني المسلمين في أرجاء المعمورة بالتمسك بتلك الأسباب لنيل الرزق، فإن الخير كله في التمسك بما شرع الخالق عز وجل، والشر كله في الإعراض عنه.

هذا؛ وما عند الله لا ينال بمعصيته، وإنما ينال بطاعته، يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]، ويقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:125 - 126].

وصلى الله تعالى على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وبارك وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015