إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد: فقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (لو أن ابن آدم يهرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت)، رواه أبو نعيم في الحلية، وحسنه الألباني.
فهذا الحديث يدل على أن المرء يرزق رغم أنفه، وإذا كتب الله سبحانه وتعالى له الرزق فلن يفوته ولن يضيع عليه ما دام قد ضمنه الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل قد ضمن لنا الرزق حين قال: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22]، ثم لم يكتف بالضمان حتى أقسم على ذلك فقال عز وجل: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:23] قال: الحسن البصري رحمه الله تعالى: لعن الله أقواماً أقسم لهم ربهم فلم يصدقوه.
والموضوع الذي نتعرض له اليوم هو استعراض لرسالة مباركة نافعة من تصنيف الدكتور فضل إلهي كما سبق أن درسنا له أيضاً رسالة أخرى في محبة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الرسالة هي (مفاتيح الرزق في ضوء الكتاب والسنة)، جمع فيها كثيراً من الأسباب التي هي أسباب حقيقية لاستجلاب الرزق والبركة فيه.
لقد ضمن الله سبحانه وتعالى الرزق وسبق به قلم المقادير، إلا أن كثيراً من المسلمين يشتغلون بهذا المضمون على حساب غير المضمون، فالرزق مضمون، وأما النجاة في الآخرة ودخول الجنة فليست مضمونة؛ لأنها متوقفة على سعي العبد، {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39]، فنعجب أن كثيراً من الناس إذا طلب منه بأن يكف عن اللهث وراء الدنيا التي تشغله عن الطاعة وعن العبادة؛ فإنه يتحدث عن الرزق والكسب، وضرورة أن يسعى الإنسان في طلب رزقه، مع أن الرزق مضمون، والنجاة في الآخرة غير مضمونة، بل النجاة متوقفة على الاجتهاد في العمل الصالح.
وبعض الناس يرون أن تمسكهم بدينهم قد ينقص من أرزاقهم، بل إن بعض الملتزمين الذين يحافظون على الفرائض الإسلامية ربما يظنون أيضاً أنه لا بد أن يغضوا الطرف عن بعض الأحكام الإسلامية من أجل المحافظة على الرخاء المالي، فينسون أو يتناسون أن الله سبحانه وتعالى حينما شرع دينه فإنما يريد إرشاد العباد إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة، وليس في الآخرة فقط، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار)، فالله سبحانه وتعالى لم يتركنا نتخبط في الظلام ونبقى في حيرة من أمرنا عندما نسعى إلى طلب المعيشة، بل شرعت أسباب الرزق وبينت، ولو فهمتها الأمة ووعتها وتمسكت بها وأحسنت استخدامها ليسر الله سبحانه وتعالى لها الرزق، والله هو الرزاق ذو القوة المتين.