إنّ هذه الأحاديث هي مقدمة هذا الموضوع الذي سنتكلم فيه إن شاء الله تعالى، وهو موضوع الحث على طاعة الله تبارك وتعالى والاجتهاد فيها، خاصة في هذا الموسم العظيم، وهو موسم يغفل عنه أكثر الناس مع أنه لا يقل أهمية عن رمضان أو عن العشر الأواخر من رمضان.
وهذا الموسم هو عشر ذي الحجة، والناس في هذا الموسم على قسمين: فمنهم من ييسر الله له الرحيل إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج، ومنهم من يعذر ولا يستطيع الذهاب، فربما رحل بقلبه، وهذا الفريق الثاني الذي لم ييسر الله له السفر إلى بيت الله الحرم قد أقام الله عز وجل له موسماً للطاعات فيه ثواب جزيل جداً إذا اغتنمه، فعلى الإنسان أن يعمره بالصلاة والصيام والصدقة وذكْر الله عز وجل، وقراءة القرآن، وسائر أنواع الخير، وأن يجتهد في ذلك، وينبغي الاستعداد لهذا الموسم قبل مجيئه، وأن يفرغ الإنسان نفسه لطاعة الله عز وجل حتى لا يكون من الخاسرين في هذا السوق العظيم.
يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله عز وجل من أيام العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه يجاهد في سبيل الله عز وجل فلم يرجع من ذلك بشيء).
لقد أقسم الله تعالى بليالي عشر ذي الحجة فقال: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:2] وهي ليالي العشر من ذي الحجة، والعمل في أيام العشر ثوابه العظيم، فهذه فرصة من الفرص النادرة التي يكون فيها الفضل العظيم من الله تبارك وتعالى، فنحتاج إلى إيقاظ الهمم حتى تسمو نفوسنا إلى طاعة السابقين واجتهادهم، فإن العلماء يذكرون أن أعظم طريقة في إصلاح القلوب وتزكية النفوس هي أن يعايش الإنسان إنساناً أو شيخاً أو قدوة يقتدي به في أحواله، ويعرف السنن من سلوكياته، فإذا عَزَّ هذا -كما في هذا الزمان الذي نعيشه- فإن البديل هو أن يكثر الإنسان من مطالعة أحوال الصالحين، خاصة في القرون الخيِّرة الأولى وما تلاها من حياة من تبعوهم بإحسان، فيطالع أخبارهم حتى يستثير همته، ويكون له فيهم أسوة، فهذا الذي يخرج الأمة المجاهدة، والأمة العابدة، والأمة العاملة لدينها، والتي تحقق العبودية لله وتعرف ما هو هدفها من هذه الحياة، وكيف تستثمره، لا الأمة التي جعلت هدفها هي الأهداف التي يحققها لاعبو الكرة، ولا الأمة التي هدفها أن تصير الأولى في العالم في اللعب واللهو وتنسى الجهاد في سبيل الله.