وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فرجع من رجع وعقب من عقب -يعني: تأخر من تأخر- فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعاً قد حفزه النفس -يعني: أتعبه النفس من شدة جريه وسعيه- قد حسر -أي: كشف- عن ركبتيه، فقال: أبشروا أبشروا! هذا ربكم قد فتح باباً من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى)، فهذا الحديث في فضل الرباط والمكث في المسجد بعد الانتهاء من صلاة انتظاراً للصلاة التي تليها، وهو من أعظم الأعمال الصالحة، وأغلب الناس في هذا الزمان في غفلة عن هذا الثواب العظيم.
وانظر إلى انفعال الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه البشرى، وكيف أتى يبشر أمته على هذه الهيئة؟ وتخيل مشهده عليه الصلاة والسلام وهو يبشرهم؛ إذ إنه كان رءوفاً رحيماً بهم عليه الصلاة والسلام! فقوله: (قد حسر عن ركبتيه) أي: كشف ركبتيه من شدة احتياجه لأن يكشف عنهما حتى يستطيع الجري بسرعة أكثر، يبشر الذين تخلفوا بعد صلاة المغرب؛ لأن الناس انقسموا إلى فريقين: فريق انصرف بعد الصلاة وفريق ظل ماكثاً يذكر الله إلى أن تأتي صلاة العشاء.
والآن لو نكلم الناس بهذه الأحاديث فإنهم يقولون: نحن في زمن السرعة، والعمل عبادة.
وهم يقضون الساعات الطوال أمام التلفزيون والمسرحيات والأفلام، ويقرءون الجرائد التي تكاد أن لا يكون فيها حرف يُقرأ، ويقول لك أحدهم: إن العمل عبادة.
فهو لا يعرف أن العمل عبادة إلا إذا أمرته بذكر الله.
فيبشر الرسول الصحابة: (أبشروا أبشروا! هذا ربكم قد فتح باباً من أبواب السماء، يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى).
وعن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح -يعني: لم يحضر صلاة الفجر- وأن عمر غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين المسجد والسوق، فمر على الشفاء أم سليمان فقال لها: لم أر سليمان في الصبح؟! فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه.
قال عمر رضي الله عنه: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة).