وعن بريدة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) ولو أن رجلاً كريماً وعدك بهبة أو هدية، أو بشيء عظيم يعطيك إياه فقال لك أحد أصدقائك: هذا الشيء كثير، فهل يعقل أن يعطيك هذا؟! فإنك تقول له: هذا إنسان كريم لا يخلف وعده، ولا يرجع عن كلمته.
فمن أصدق من الله حديثاً؟ {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122] {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111]، فاستحضر دائماً أن كل هذه الوعود سيعطيك الله سبحانه وتعالى إياها إذا استوفيت هذه الشروط؛ لأن الله لا يخلف الميعاد.
فالكريم يخلف وعيده لكن لا يخلف وعده، كما يقول الشاعر في حق ابن عم له: وإني إذا وعدته أو أوعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي فالكريم يخلف الوعيد الذي هو العذاب، ومن كرمه أن يعفو عنك، لكن الوعد لا بد من أن ينجزه.
وهنا انظر إلى هذه البشرى العظيمة واستحضرها كلما خرجت إلى المسجد في الظلام، يقول عليه الصلاة والسلام: (بشر المشائين) و (المشاء) صيغة مبالغة من الماشي، فالمراد هنا مدح من يكثر المشي إلى المساجد ويصير ذلك عادة له، ولا يصدق هذا الحديث ولا تتحقق هذه البشرى لمن اتفق له المشي مرة أو مرتين، وإنما من يدمن المشي إلى المساجد ويكثر الخطا إلى بيوت الله تبارك وتعالى، والظاهر أن هذا الحديث في فضيلة صلاتين: صلاة العشاء وصلاة الفجر؛ لأنهما الصلاتان اللتان تؤديان في ظلمة، يقول عليه الصلاة والسلام: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) والجزاء من جنس العمل، فكما مشوا في الظلام ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى مع احتمال وجود آفة في الطريق تؤذيهم لكن مع ذلك أصروا على الذهاب إلى المساجد بشرهم بأن يبدلهم الله سبحانه وتعالى هذه الظلمة نوراً كاملاً يوم القيامة.