ينبغي لمن كان له وظيفة من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقيب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته أن يتداركها إذا أتت له عوائق، فمثلاً: لم تقل أذكار الصباح ما بين صلاة الفجر والشروق، فهل معنى ذلك أن تضيع الأذكار ولا تقضيها؟ لا.
بل تقضيها حتى ولو بعد ذهاب وقتها، فيأتي بها إذا تمكن منها، ولا يهملها، فإنه إذا اعتاد الملازمة لها لم يعرضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها.
فهذا نوع من تربية النفس حتى لا تتساهل، فإن الشيطان يأتي يقول لك: ليست مهمة، فأخرجها عن وقتها، واقضها، فإذا تساهل في الأداء فإنه يتساهل في القضاء فيضيعها أصلاً في وقتها، وتصير عادة سيئة له، فينبغي على الإنسان إذا فاتته الأذكار أن يأتي بها حتى ولو بعد وقتها، لأجل أن يصدق عليه أنه مديم للذكر مواظب عليه، وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يقضون ما فاتهم من الأذكار التي يفعلونها في أوقات مخصوصة، فعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن حزبه) وهو ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة، وأصله في اللغة النوبة في ورود الماء، قال: (من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل) فهو يعتاد كل ليلة أن يقرأ جزءاً أو جزئين أو يصلي عدد ركعات معينة، ففي يوم أو ليلة من الليالي فاته ذلك حيث نام ولم يستيقظ، فيفتح له باب بديل عنه، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62] فمن يفوته العمل في الليل يخلفه النهار حتى يعوض فيه ما فاته، فهنا يقول عليه الصلاة والسلام: (من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل).
وفي تفسير عبد بن حميد وغيره من التفاسير المسندة عن الحسن في قول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً} [الفرقان:62] قال: من عجز بالليل كان له من أول النهار مستعتب -فرصة أخرى يعوض ما فاته-، ومن عجز بالنهار كان له من الليل مستعتب.
وعن قتادة قال: إن المؤمن قد ينسى بالليل ويذكر بالنهار، وينسى بالنهار ويذكر بالليل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.