الجهر والإسرار بالذكر حسب الأحوال

التنبيه الثاني: أنه قد وردت أحاديث تقتضي الجهر بالذكر وأحاديث تقتضي الإسرار به، والجمع بينهما أن ذلك مختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، إلا إذا أتى دليل ينص على الجهر أو على الإسرار، أما حيث لا دليل يطلب فإن الجهر أو الإسرار حسب الحال.

فقد يكون الإسرار في بعض الأوضاع أبعد عن التكلف والرياء والتصنع، فإذا كان الإنسان يخشى على نفسه فيذكر الله سراً، فإن لم يكن في الجهر ما يشوش على شخص آخر كمصل -مثلاً- فالجهر أفضل؛ لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته أيضاً تتعلق بغيره، فلو أن إنساناً يقرأ القرآن وبقراءته هذه أوقظ شخصاً نائماً -مثلاً- ليزيد نشاطه في القراءة ويقوم فيفعل مثلك، ويكون القارئ سبب إحيائه لذكر الله عز وجل، أو شخص يراك بطالاً أو غافلاً أو ناسياً فيذكر الله سبحانه وتعالى ليذكرك، فإذا كان بهذه النوايا الحسنة فلا حرج في الجهر، وإذا حضرك شيء من هذه النيات فالجهر أفضل، فإذا اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر، وبكثرة النيات تزكو أعمال الأبرار وتتضاعف أجورهم.

يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها واجبة كانت أو مستحبة، لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه.

يعني بذلك الأذكار حتى تنال ثوابها؛ لأن معناها يدل على أن التلفظ باللسان مطلوب، وليس معنى ذلك أن يقولها بقلبه فقط أو يمرها على خاطره، فإن قوله: (من قال سبحان الله وبحمده فله كذا) يعني: يقولها باللسان.

وإلا فإنه لا ينال الثواب الموعود في الحديث، ويقول الجزري في (العدة): ولا يعتد له بشيء مما رتبه الشارع على قوله حتى يتلفظ به ويسمع نفسه.

فقوله: (من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] عشر مرات بنى الله له بيتاً في الجنة) فلفظ (قرأ) يعني: باللسان، لكن لو أن إنساناً قرأها بقلبه فهذا يعتبر محروم الأجر، والشخص الذي امتثل الحديث بأن تلفظ ونطق بالقرآن الكريم وقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] عشر مرات فله الثواب الموعود في الحديث.

أما من ذكر الله في نفسه فثوابه أنه يذكره الله في نفسه: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)، لكن هل ينال نفس الثواب الموجود في الحديث؟ لا.

فهذا باب وموضع آخر، فلا تعارض بين الحديثين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015