قوله تعالى: (ولا تكونوا كالذين نسوا الله)

ويقول تبارك وتعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19] إذا نسيت الله أنساك نفسك، وإذا ذكرت الله ذكرك بالخير وفتح عليك هذه الأبواب.

{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19] وفي الآية الأخرى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67] يعني: تركهم.

ومعنى: {أَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19] أغفل قلوبهم عن ذكره تبارك وتعالى، وألهاهم عن ذكر الله، وشغلهم بغير ذكر الله، فهم لا يلتفتون إلى ما هم فيه من القبائح، ولا يسعون في إصلاح أحوالهم مع الله سبحانه وتعالى، فالواحد منهم لا يفكر في التوبة؛ لأنه عوقب بأن زين له سوء عمله فرآه حسناً، فمم يتوب؟! وإذا كان الإنسان يرى حياته كما يقال: أعيش حياتي بالطول والعرض.

ويتمتع بكل شيء يريده من الدنيا، ويرى أن هذه هي العصرية والمدنية، وهذا هو التقدم والحضارة فقد زينت له هذه الأشياء في عينه وهي ليست قبيحة، ويراها شيئاً من أعظم الإنجازات، ويفرح جداً إذا يسرت له المعصية.

فأخطر عقوبة يسلطها الله سبحانه وتعالى على عبد من عباده أن ينسيه نفسه، فلا يسعى في إصلاحها ولا يشعر بالندم؛ لأنه يرى القبيح حسناً، كما قال عز وجل: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:103 - 104] وهذا مشاهد وواقع يحكيه القرآن ويصفه، فأهل الباطل والفساد في كل مجال الآن تجد أنهم فرحون بما هم عليه، سعداء به، حريصون على أن لا يحرفهم أحد عن هذا المنهج، وكل منهم يقول قولة فرعون: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29].

وفرعون نفسه الذي كان يدعوهم إلى عبادته يقول: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26] فموسى في نظر فرعون هو المفسد، وفرعون يخاف من نشر الفساد في الأرض! وأي فساد بعد أن دعا قومه لعبادته من دون الله تبارك وتعالى؟! وأي فساد بعد أن يقول هذا الذي كان ينام ويأكل ويشرب ويقضي حاجته: {أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} [النازعات:24]؟! بل يقول: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] بصيغة تنكير! أنساه الله نفسه، ولو أراد الله به خيراً لنبهه من غفلته.

ولذلك فالشخص الذي يتمادى في المعاصي والبعد عن الله سبحانه وتعالى لعله إذا أراد الله به خيراً يجعله يفيق بمصيبة تحصل له أو حادثة، أو أي شيء ينبهه فيفيق وينتبه، وإذا به يراجع نفسه ويتوب إلى الله سبحانه وتعالى، فالعقوبات على الذنوب تتفاوت، فهناك العقوبات الكونية القدرية المعروفة مثل القذف والخسف والزلازل وغير ذلك من العقوبات العامة المعروفة.

وهناك عقوبات شرعية كقطع يد السارق، ورجم الزاني أو جلده، وجلد شارب الخمر، وغير ذلك من حدود الله سبحانه وتعالى الشرعية.

لكن أخطر عقوبة على الإطلاق يعاقب الله سبحانه وتعالى بها عبداً من عباده أن يسلط الغفلة على قلبه؛ لأن العقوبة الخطيرة هي التي لا يحس بها صاحبها حين يعاقب، فلا يصل إلى التنبيه ولا التحذير، فهذا هو داء السرطان، والسرطان إذا بدأ في بعض خلايا الجسم فإنه ينمو ويكبر بصورة مذهلة والمريض لا يشعر بألم، فهو يرى ورماً ولا يشعر بأي ألم، وما يكون فيه أية مشكلة، حتى إنه لا يسعى في العلاج؛ لأنه يرى شيئاً طبيعياً، لكنه قد يفيق بعدما يكون قد فات الأوان وانتشرت الخلايات السرطانية إلى سائر أجزاء الجسد، وبالتالي لا يبقى أمل في نجاته.

فكذلك هذا الداء خطورته أنك لا تحس به، فالغفلة إذا سلطها الله سبحانه وتعالى على قلب عبد لا يسعى في إصلاح حاله، بل يتمادى ويتلذذ بمزيد من الصد عن سبيل الله تبارك وتعالى، فهؤلاء هم الذين نسوا الله فنسيهم، أي: أنساهم أنفسهم كما بينتها الآية الأخرى، فلا يسعون في إصلاح حالهم، ولا يفكرون في توبة، فمم وكيف يتوب؟! إنه يرى القبيح حسناً والحسن قبيحاً، والتدين تطرفاً ورجعية وتزمتاً وإرهاباً، فينظر إلى طاعة الله سبحانه وتعالى بهذه الصفات المنفرة، وينظر إلى المعاصي على أنه إنسان يعيش حياته ويتمتع بها، وينفتح على الناس ولا يكون معقداً، وغير ذلك من تلبيس الشيطان وتسويله لهؤلاء القوم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015