من الأمثلة التي يحكيها بعض هؤلاء المعالجين أن محامياً كانت له مشكلة مع زوجته تتعلق بالعلاقة الزوجية، فذهب إلى أحد الناس المشهورين ممن يدعي أنه من أولياء الله الصالحين والذين يعالجون وقد كشف عنه كما يزعمون، فقال له هذ الشخص: إنك ممسوس من أنثى من الجان، وإن الجنية تحبك وتعشقك، وأثناء ما كان الشيخ المعالج يحكي له هذا الكلام، ويقول له: إن الجنية هذه سوف تقوم بخنق زوجتك، في الحال بدأت علامات الاختناق تظهر على الزوجة، وكأنها ليست قادرة على التنفس، وتقول: هناك من يخنقني!! ما معنى أنها ما اختنقت إلا لما سمعت هذا الكلام؟ لأن القناعة بدأت تتواجد نتيجة الخلفية القديمة عن الموضوع، ثم هي واثقة بالشيخ الذي يتكلم، فالشيخ يقول له: إن الجنية هي التي تكيدك، وهي التي تعمل على خنق زوجتك، وفوراً أحست الزوجة أن هناك شخصاً يخنقها.
أيضاً يقول له: الجنية هذه تعمل لك كذا، والجنية تعمل لك التشنجات، ويبدأ الرجل يحس بالتشنجات، وأن هناك صوتاً يسمعه بأذنيه تهمس به الجنية العاشقة الولهانة إلى آخر هذه الأشياء.
إذاً: ما نشأ هذا إلا بعد ما سمع هذا الكلام، فهذا مما يعزز الوهم عند بعض المرضى.
ثم ذهب إلى طبيب نفسي، فبيّن له أن الموضوع ليس له أصل، وأن هذا الإيحاء من هذا الشيخ كذب، وسلك معه طريقة صحيحة وأقنعه فعلاً أن هذا الكلام لا أصل له، فزالت الحالة تماماً كأن لم يكن لها أثر.
ومما يُحكى أيضاً وهو مثال قريب من سابقه: أن زوجة شخص معالج مكثت وحدها في البيت، وبينما هي جالسة وحدها تفكر في هذا الموضوع الشيق العجيب في أحداثه، فتذكرت حالة من تلك الحالات، وهي أن جنياً عشق امرأة واعتدى عليها مرات، ومع قوة تخيلاتها توقعت أن هذا سيحصل معها، ثم قالت: ولم يحصل معي؟ فهي لوحدها، والجني يريد أن ينتقم من زوجها؛ لأن زوجها هو الذي يطرده من جسد المرضى، واسترسلت في هذا التفكير إلى أن اقتنعت أن فعلاً أنه حصل كذا وكذا وكذا، ودخلت هي وزوجها في قصة طويلة عريضة كلها مبنية على وهم وتخيل لا أصل له.
كما أن هناك مرضى يصدقون أنفسهم، وهم في ذلك ليسوا متعمدين للكذب، وهو أيضاً صادق لأن هذا يحدث عن طريق الوهم والإيحاء الذاتي والملابسات التي حوله، والخلفية الفكرية سابقاً، فيتهيأ له ما يجعله يعيش الدور، ويغير صوته ويتكلم، وهناك أناس لديهم مهارة في تقليد أصوات المطربين والفنانين، فما هي المشكلة؟! الرجل ممكن أن يأتي بصوت الطفل، أو عجوز إلخ، هذه ممكن أن تقع، ويمكن أن يكون هناك مس جني حقيقي، وأنا لا أنكر هذا لكن هذا وارد، فلو قلت له: غيّر صوتك كان هذا شيئاً ممكناً، وهو يعيش الدور تماماً، فيمكنه أن يغير صوته إلى صوت امرأة أو طفل أو غير ذلك، وهناك فرق بين الجني الحقيقي وبين هذا الذي يغير صوته.
ويدور في فلك هؤلاء الموهمين أناس أصحاب حالات أخرى يتعمدون الكذب ويدعون المس والتلبس للخروج من مأزق معين.
مثلاً: جاءت امرأة لبعض المعالجين تدعي المس، هذه المرأة تهجر فراش زوجها، وتنشز عليه، وتنغص عليه حياته، وتقول: إن جنياً لبسها، وأنه يقول لها: لو استجبت لزوجك أفعل بك كذا، وأنه ليس هناك حل غير الطلاق، ولابد أن تطلقي منه إلخ.
فبعد فترة من العلاج الذي لم يجد نفعاً ولم يأت بأية نتيجة اعترفت للمعالج بالحقيقة وأنه ليس فيها مس، وأنها لجأت إلى هذه الدعوى للتخلص من زوجها كي تجبره على طلاقها؛ لأن زوجها شحيح بخيل، وكان مما قالت: تحولت حياتنا بسبب الشح إلى جحيم، هل رأيت رجلاً يراقب مقدار الجبن في الثلاجة؟! ويقيس زجاجة الزيت بالمسطرة ليعرف كم من الزيت استعملت؟! وهذا الوضع لا يُصبر عليه.
تقول هذه المرأة: لست مجنونة ولا مسحورة ولا ممسوسة، لقد أقدمت على ذلك لأتخلص من هذا الجحيم، ولييئس من حالي فيطلقني.
وكان المعالج في البداية تعامل معها ولم يقدر أن يميز حالتها، معنى هذا أنه حتى الذي عنده خبرة تلتبس عليه الأمور، حتى إنه ليضرب، وبعد فترات طويلة يجد أنه ليس هناك نتيجة، ما معنى هذا الكلام؟! وكلكم يقول: لدينا خبرة، وتؤلفون الكتب، وتردون على بعض، وتشتمون المشعوذين، حتى أنتم يخفى عليكم هذه الأشياء! إذاً: نعود إلى مكمن الغموض وهو أنه لا توجد علامات محددة ولا حدود واضحة يقف عندها كل طرف.
ومن المشاهدات في المجتمع قضايا عدة، مثلاً: - فتاة مثلاً تُكرَه على الزواج من شخص تكرهه، ولا تستطيع أن تصارح أهلها بأنها لا تريد الزواج منه، فينصحها نساء ماكرات بادعاء كونها ممسوسة، وأن الجني يطالبها بالطلاق وإلا فإنه سوف يقتلها.
- امرأة متزوجة تتفق مع عشيقها على أن تتدعي المس، وأن الجني يطالبها بالطلاق، وإذا مسها زوجها فسوف يحصل كذا وكذا.
- شاب يؤتى به ليُعالج من مس الجن، فيقرأ عليه فيظهر الجني قائلاً: أنا سلمان بن أبي سليمان، وفجأة ظهر جني آخر، فسأله: ما اسمك؟ فأجاب: أنا جرجر.
قال له: أنت نصراني أم يهودي؟ فأجاب الجني: أنا نصراني.
قيل له: هل تسلم؟ ويبدأ الحوار: ما هو الإسلام؟ والمعالج يتفنن في أن يعرض عليه الإسلام، وكيف يدخل في الإسلام، ثم يقول: اخرج، وإلا سوف أحرقك بالقرآن، وهذه هي الاسطوانة نفسها المكررة مع كل حالة.
يقول أحد الإخوة الحاضرين وقد حدثني عن هذا بنفسه، قال: شكّيت بسلمان بن أبي سليمان هذا، فقلت له بعد أن انتهى من: أنت كذاب، أنت لست ممسوساً، فقال لي: نعم، أنا لست ممسوساً، ولكن هناك مشاكل بيني وبين أبي، وأنا أريد أن أقنعه أني ممسوس حتى يخفف عني الوطأة والضغط.
- شاب يتورط في معاكسة الفتيات في الشوارع، ويفعل أشياء غير لائقة، فعندما يعاتب على ذلك يقول: الجني هو الذي يؤزني أزاً على هذا، والجني هو الذي يجعلني أتعرض لمثل هذا! وهذا أخطر ما في الموضوع، فهو يفتح باب الفساد على مصراعيه.
- امرأة ترتكب الفاحشة وتقول: الجن هم الذين فعلوا بها كذا وكذا! - يسرق شخص ثم يقول: الجني هو الذي سرق! ولو كان هذا عذراً فذلك يعني أن الحدود في الدولة الإسلامية لا تقام، فأية امرأة تفعل الفاحشة تدعي أن الجني هو الفاعل، فندخل في جو من الغموض والضباب والدخان والوهم الذي لا حدود له، وكأننا لسنا من الإنس، ونتعامل بقوانين وسنن ونواميس أخرى، فالشريعة تهدر هذه الاعتبارات، فأي شخص يثبت في حقه بالبينة الشرعية أنه فعل فعلاً يؤاخذ بجريرته، وإذا سرق سوف تقطع يده، والشرع لن يلتفت أبداً لمثل تلك الأعذا؛ لأن المسألة ليست لعباً ولا عبثاً بأموال الناس وأعراضهم ودمائهم، إن الشرع يهدر تماماً هذا الإدعاء، ولا يصح أبداً أن أي أحد يعمل جريمة ثم يقول: الجني هو الذي يؤزني على فعل هذه الجرائم.