إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: الصرع قسمان: صرع عضوي، وله أسباب عضوية معروفة، وصرع جني -أي: عن طريق الجن- وله أسباب معروفة أخرى، وقسم كبير جداً من الصرع يعبر عنه الأطباء بـ (الصرع المجهول السبب)، وهذا هو الذي يقع فيه المس الجني غالباً.
أما الصرع العضوي فقد عرفه الأطباء بأنه: عبارة عن عاصفة كهربائية بسيطة أو قصيرة تحصل في الدائرة الكهربائية في الجهاز العصبي في جسم الإنسان.
فيقول الأطباء: إن الصرع يشبه قفصاً كقفص العصافير، وفي داخله منبه مضبوط على ساعة معينة، وهذا القفص مقفل بالقفل، وليس مع أحد مفتاحه، فإذا حان الوقت المحدد يصدر صوت رنين الجرس، وليس هناك حل غير أنك تتركه حتى تنقضي هذه النوبة؛ لأن الصندوق عليه قفل، ولا تقدر أن تمد يدك لتسكت المنبه؛ فاستسلم للحالة تلك التي تأخذ دقيقتين أو ثلاث إلى أن تمرّ دون أن تتدخل أنت بأي شيء، فلا تتدخل في هذا المصروع كأن تضع شيئاً في فمه أو ما شابه من الأفعال لمحاولة إيقافه، هذا هو المسلك الذي ينبغي أن نسلكه في حالة الصرع العضوي بناء على نصائح الأطباء، أما المسلك الذي يسلكه هؤلاء في الجهة الأخرى فهو: التدخل بالعلاج والرقية، فهذا طريق وله خطواته، وهذا طريق آخر وله خطواته.
وقد ذكر ابن القيم أن الصرع ينقسم إلى صرع عضوي أو صرع الأخلاط، وصرع الجن، ولم يحدد ابن القيم رحمه الله تعالى بشكل حاسم قواعد وضوابط تميز لنا كلاً من النوعين حتى نقطع ونجزم من أي نوع من النوعين هذا الصرع.
وإذا حصل تخبط في التشخيص فلا شك أنه سوف يحصل تخبط في العلاج، فلماذا لا نسلك الأسباب العادية في علاج حالة هذا المريض؟! وبعض المعالجين يسأل: هل تشنج المريض عندما ولد؟ هل تعرض لكذا وكذا؟ مع أن هذه حالات طبيعية، هل الطفل الرضيع إذا ارتفعت حرارته جداً وتشنج نقول: إن عليه جني، ثم نضربه لكي نخرج هذا الجني؟! من أين لهم هذا؟! لماذا لا نقبل على الطب بثقة، ونعترف أنه علم مبني على قواعد وأصول وليس عبثاً، لماذا نتصرف في الجانب المقابل ونغوص في عالم كله غموض لا أول له ولا آخر، ولا قواعد تضبطه، ولا ملامح محدده تحكمه؟! بل إن بعضهم إذا قرأ على المريض ولم يتكلم الجني على لسانه فإنه يقول: هذا فيه عين! هذا محسود! ونحو ذلك، وكأن بعض القراء المعالجين يشعرون في ذوات أنفسهم أنهم لا يقرءون على أي مصروع إلا ولا بد أن يرد عليهم الجني، أو يتكلم خوفاً منهم أو من القرآن الكريم، فما هو الدليل على لزوم هذه القاعدة التي يطبقونها في كل حالة؟ فالمصروع إذا قرئ عليه وخُوّف الجني الذي بداخله فقد يتكلم الجني ويخاف، وقد لا يتكلم ولا يخاف، فمن أين سنقطع بأنه ليس في المقروء عليه جني أو عين؟! إن عالم الجن عالم غامض ليس له حدود، ولن نستطيع أن نقطع في مثل هذه الأشياء، ويجب أن نتذكر هذا الأمر أثناء هذه الدراسة, والأمثلة كلها تؤيد هذا المعنى، فالجن لهم عالمَ غامض جداً، كما قال تبارك وتعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27].