ابتداء: ننبه إلى أمر هام جداً وهو: أن المحافظة على النفس من المقاصد العليا والأساسية للشريعة الإسلامية، فحفظ صحة الناس ونفوسهم ليس متروكاً للعبث، والشريعة لا يمكن أبداً أن تفتح الباب لكل من هب ودب أن يعبث بنفوس الناس وبجوارحهم وبأعضائهم بمثل هذه الصورة التي تحصل اليوم.
والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بتحري الحاذق من الأطباء، فقد ذكر مالك في موطئه عن زيد بن أسلم: (أن رجلاً في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أصابه جرح، فاحتقن الجرح الدم، وإن الرجل دعا رجلين من بني أنمار فنظرا إليه، فزعما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما: أيكما أطب؟ -أي: أيكما أتقن للطب؟ - فقال: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فقال: أنزل الدواء الذي أنزل الداء).
وروي عن عمرو بن دينار عن هلال بن يساف قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مريض يعوده، فقال: أرسلوا إلى طبيب، فقال قائل: وأنت تقول ذلك يا رسول الله؟! قال: نعم، إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له دواء).
فاطمئنوا ولا داعي لهذا الشعور الخفي الذي يجده كثير من الناس من التشكك في الطب، وفقد الثقة فيه، والنظر إليه نظرة احتقار وازدراء؛ فإن اللجوء إلى الطبيب في مجال تخصصه يعتبر من الأسباب العادية التي قد طولبنا بالأخذ بها إذا ألم بنا مرض أو داء.
ليس هذا فحسب! بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شدد في عقوبة من يتولى علاج الناس وليس له خبرة وعلم كافٍ، فلابد أن يأمن إيقاع الضرر بالآخرين نتيجة الأخطاء المهنية، بل إنه صلى الله عليه وآله وسلم حمل هذا المتطبب دية الخطأ، كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)، أي: فهو مسئول، ويعتبر جانياً إذا أتلف شيئاً من أعضاء المريض، ويؤاخذ به شرعاً.
إذا كنا نحن الآن وقبل الآن ننكر على الذين يعذبون الناس، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم أنهم يغدون في سخط الله ويروحون في غضب الله، فقال عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس)، فإن كان هؤلاء من أهل النار، فما بالنا نتساهل مع أناس يمارسون أقبح أنواع الجنايات تحت اسم العلاج بالقرآن؟! وكأن كلمة (القرآن) ترس يتترسون خلفه، وحصن يتحصنون به ليستبيحوا إراقة دماء الناس وقتلهم جهلاً وظلماً وعدواناً.
إذا كنا ننكر على هؤلاء الذين يعذبون الناس فما بالنا نضفي الشرعية على هذه الأفعال؟! بل هذه الجرائم وهذه الجنايات التي ترتكب باسم العلاج بالقرآن؟! وهل التستر وراء القرآن يشفع لهؤلاء الذين يرتكبون نفس الجريمة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن).