الأمر الرابع: أن العقيدة الوحيدة الصحيحة على وجه الأرض منذ أن بعث الله سبحانه وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم وإلى اليوم لا توجد إلا في الإسلام، لأن الله عز وجل قد تكفل بحفظه من التغيير والتحريف والتبديل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].
وهذه العقيدة هي نفس العقيدة التي دعا إليها الرسل الكرام في كل زمان ومكان، فلا تختلف من رسول إلى رسول، ولا من زمان إلى زمان، وأما ما عداها من العقائد الموجودة على الأرض فهي عقائد فاسدة متعددة، وفسادها ناشئ من كونها نتاج أفكار البشر وأهوائهم، وقد يكون أصل بعض هذه العقائد صحيحاً، لكن التغيير والتحريف طرأ عليها كما هو الحال في زماننا هذا بالنسبة إلى اليهودية والنصرانية.
فاليهودية في وضعها الحالي عقيدة عنصرية، فهي مبنية على الاعتقاد بأنهم شعب الله المختار، وأن كل من عداهم من الأمم هم بمثابة الحمير التي خلقها الله لبني إسرائيل؛ كي يركبوها ويستذلوها ويسخروها، فهذه هي نظرة اليهود إلى كل من عداهم.
لذلك فاليهودية ليس فيها تبشير، واليهود لا يبشرون؛ لأنها ديانة عنصرية، فلا بد أن تكون من نفس اليهودي حتى تصير يهودياً، لذلك لا نجد في اليهودية خطر التبشير باليهودية والتهويد، لكن نجد عندهم خطر إفساد عقائد الناس الآخرين؛ حتى يفقدوهم عناصر القوة، وإفساد الأخلاق؛ حتى يحطموا هذه الأمم قبل أن يقيموا دولتهم الكبرى التي يسمونها: مملكة داود.
وكذلك بالنسبة للنصرانية.
فإذاً: هل يمكن أن يكون إنقاذ البشرية بديانة كالديانة اليهودية في وضعها الحالي؟! وهل يعقل أن يخرج البشرية مما هي فيه من الضلال والضياع أن تنتمي إلى الديانة اليهودية؟!! ومع ذلك فاليهود يقولون: غير مسموح لكم الولوج في هذا الباب؛ لأننا أشرف الخلق ونحن أفضل الأمم، وديانتنا ليست مفتوحة لهؤلاء الأوباش من الأمم الأخرى، فنظرة اليهود للأمم الأخرى التعالي والعنصرية.
فقطعاً لا يمكن أن يكون إنقاذ البشرية بديانة كاليهودية، وهذا بغض النظر أيضاً عن الأحكام الفقهية والعملية الموجودة في شريعة التوراة، فقد كان فيها تشديد؛ لأن الله عاقب اليهود بالتشديد عليهم حينما شددوا على أنفسهم، فوضع عليهم الآصار والأغلال، فلما جاء محمد عليه الصلاة والسلام وضع عنا الآصار والأغلال، فستشقى البشرية بحمل هذه الأغلال التي عوقب بها بنو إسرائيل؛ بسبب تعنتهم مع نبيهم موسى عليه السلام.
وهل يمكن أن تكون الديانة النصرانية هي المنقذة للبشرية؟
صلى الله عليه وسلم لا، وتفصيل ذلك يطول جداً، ولكن نمر عليها مراً سريعاً وهي أن الديانة النصرانية فيها هذه الفلسفة الوثنية التي دخلت عليها فأفسدتها وهدمتها تماماً.
والنصارى أيضاً يصدقون بالتوراة وهي العهد القديم، وبالإنجيل وهو العهد الجديد، فالكتاب المقدس عندهم مكون من العهد القديم والعهد الجديد.
واليهود يؤمنون بالعهد القديم، وهو التوراة ولا يؤمنون بالإنجيل الذي هو العهد الجديد، بخلاف النصارى فإنهم يؤمنون بالكتابين معاً.
فهل يمكن أن تكون عقيدة الحق والنجاة في الصلب والتقديس والفداء وكذا وكذا، ثم لا يوجد لها أي أثر في العهد القديم على الإطلاق؟! وكذلك قضية آدم والخطيئة الأولى وتوريثها ذلك للبشر، وحصول الصلب بعد ذلك حتى يتحرر البشر من خطيئة أبينا آدم عليه السلام.
فهل هذه هي عقيدة الحق؟ وهل كل هذه الأجيال البشرية التي ماتت، ماتت على غير العقيدة الصحيحة؟! فهذا أدل دليل على أن هذا الفساد في دين النصارى فساد طارئ عليه، ويكفي أن النصارى كلهم يكفر بعضهم بعضاً، ويعتقدون أن بعضهم من أصحاب النار خالدين فيها؛ بسبب مخالفتهم إياهم في عقيدة الثالوث، وهل كل من الأقانيم الثلاثة له ذات مستقلة أم لا؟ إلى آخره، فهناك كثير من العقائد الفاسدة التي ترفضها الفطرة، كعقيدة التثليث، والخطيئة الأولى، والصلب.
ثم إنها ديانة خالية تماماً من التشريع، أو تكاد، وكما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ما في دين النصارى من الباطل أضعاف ما فيه من الحق، وحقه منسوخ، فما بقي عندهم شيء.
والأديان الموجودة الآن إما أديان صنعها البشر كالبوذية والزرادشتية والمجوسية، وغيرها من الأديان الضالة التي صنعت بأيدي البشر، فهذه كلها أديان، فالماركسية دين، والناصرية دين، لأنها طرائق في السلوك وفي الحياة وفي الاعتقاد تخالف ما عليه دين الإسلام، فهذه أديان باطلة صنعها البشر ابتداءً، وإما أنها أديان سماوية أصلاً، لكن طرأ عليها التحريف والتبديل والتغيير، كاليهودية والنصرانية، وأما العقيدة الوحيدة التي يقبلها الله منذ بعث محمداً عليه الصلاة والسلام إلى أن تقوم الساعة، فهي عقيدة الإسلام، ورسالة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم.