بعض الناس يقولون: فات الأوان، الوقت متأخر جداً لإنقاذ أبنائنا وانتشالهم من هذا المستنقع الآثم، فهم أشربوا في قلوبهم حب التلفزيون، وغرقوا في إدمانه، فلا أمل في الخلاص بعد ذلك.
والجواب هو في قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]، وفي قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:4]، فالبداية هي النية الصادقة الجازمة، والعزم الأكيد على التوحيد الإيجابي، ثم التوكل على الله والسير حثيثاً في طريق مرضاته، ولنكن على يقين أن من ترك شيئاً لوجه الله أبدله الله خيراً منه، ومن تقرب إليه ذراعاً تقرب الله إليه باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه الله تبارك وتعالى هرولة.
حتى في البلاد الأوروبية وأمريكا الغالب على استعمال الفيديو وهذه الأجهزة الأشياء النافعة جداً، برامج كاملة تعليمية، وفيها آيات من آيات الله تبارك وتعالى النافعة، واكتشافات علمية، وعلوم كثيرة جداً تدرس من خلال الفيديو وأجهزة الفيديو، لكن هنا ما علم عن هذا الجهاز الشرير إلا الخبث والفساد، وكأنهم لا يصدرون إلينا إلا هذه الأشياء التي تحطم ديننا وتحصيناتنا الأخلاقية.
فالغالب عليه الفساد، ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا أبداً ولو زينها بمائة ثوب، ففي الحقيقة ما عرفنا عن الفيديو والتلفزيون إلا الفساد، أما البرامج النافعة فهذا يخدع نفسه، أين البرامج النافعة؟ حتى لو كان فيه نفع فهو كالخمر والميسر {فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة:219].
والقاعدة الفقهية المأخوذة من الحديث هي (لا ضر ولا ضرار)، وهذا ضرر يقيني في الدين، وإلا فمن يتخيل أنه يفتح التلفزيون ولا يسمع منه موسيقى، أو ينظر إلى امرأة فاسقة متبرجة، هذا بغض النظر عما عدا ذلك مما ذكرنا بعضه.
فلا يخلو أبداً من فساد، هو شر كله ولا شك في هذا، ومن يغالط في هذا فهو إنسان مكابر، نحن نرى الآن في هذا الزمان من شدة الفساد الذي طغى على التلفزيون أناساً غير ملتزمين بالدين، وربما لا يصلون، وتجد الواحد منهم يعمد إلى التلفزيون ويحطمه ويكسره لما رآه بعينه قد أوقع بين أولاده فساداً وتطبيق الدروس التي يرونها من الانحلال والفساد.
فنحن لا نوجه كلامنا إلى الحكومة أو السياسيين أو الإعلاميين أو المنتجين أو المخرجين، ولكن هؤلاء إذا استمروا سادرين في غفلتهم مصرين على انحرافهم فما من شك أنهم ما أجبروك على أن تأتي بالجهاز في البيت، وتخرج من قوت أولادك وتشتري أحد هذين الجهازين الخبيثين أو كليهما، أنت الذي أتيت به، وأنت المسئول عن هذا المنكر، ما أجبرت عليه، أنت الذي أضرمت النار في نفسك وأولادك.
فإن كنت لا ترعوي ولا تنزجر بمثل هذا فلنحك هذه الحكاية -ونختم بها الحديث- لعلك تتخيل أنك حينما تدرج في أكفانك وتنكشف أمامك الحجب وترى الملائكة وتدرج في قبرك فلعل هذه الرؤيا الصالحة أو الصادقة -بتعبير أدق- التي رآها بعض الناس من قبل ممن كان قد أقتنى جهاز التلفزيون ثم مات تنفعك.
هذه القصة قصة شيخ كبير في السن كان سبباً في هداية أسرة بكاملها، كانت هذه الأسرة غافلة لاهية تقضي معظم وقتها أمام شاشة التلفزيون لمشاهدة الصور المحرمة، ومسلسلات الحب والغرام والهيام، فما هي تفاصيل القصة؟ يحكي هذا الشيخ فيقول: في يوم من أيام شهر رمضان المبارك كنت نائماً في المسجد بعد صلاة الظهر، فرأيت فيما يرى النائم رجلاً أعرفه من أقاربي قد مات، ولم أكن أعلم أن في بيته تلفزيوناً، جاءني وأنا نائم في المنام فضربني بقدمه ضربة حتى كدت أن أصرع من ضربته، وقال لي: يا فلان! اذهب إلى أهلي وقل لهم بأن يخرجوا التلفزيون من بيتي.
قال الشيخ: في نفس الرؤيا كنت أرى التلفزيون في جانب من البيت وكأنه كلب أسود والعياذ بالله.
قال: فاستيقظت من نومي مذعوراً واستعذت بالله من الشيطان الرجيم وعدت إلى نومي، فجاءني في المنام مرة ثانية وضربني ضربة أقوى من الأولى، وقال لي: قم واذهب إلى أهلي وقل لهم أن يخرجوا التلفزيون من بيتي ولا يعذبونني به، قال: فاستيقظت مرة ثانية وهممت أن أقوم، ولكنني تثاقلت وعدت إلى نومي.
فجاءني في المرة الثالثة وضربني في هذه المرة ضربة أعظم من الضربتين الأوليين وقال لي: يا فلان! قم واذهب إلى أهلي وقل لهم بأن يخلصوني مما أنا فيه خلصك الله.
قال: فاستيقظت من نومي وعلمت أن الأمر حقيقة، فلما صليت التراويح من ذلك اليوم ذهبت إلى بيت صاحبي وهو قريب لي، فلما دخلت إذا بأهله وأولاده قد اجتمعوا عليه ينظرون إليه وكأن على رؤوسهم الطير، فجلست، فلما رأوني قالوا مستغربين: ما الذي جاء بك -يا فلان- في هذا الوقت؛ فليس هذا من عادتك؟ قال: فقلت لهم: جئت لأسألكم سؤالاً فأجيبوني: لو جاءكم مخبر وأخبركم أن أباكم في نار جهنم أو يعذب في قبره، هل ترضون بذلك؟ قالوا: لا.
ندفع كل ما نملك مقابل نجاة أبينا من العذاب.
قال: فأخبرتهم بما رأيته في المنام من حال أبيهم، فانفجروا جميعاً بالبكاء، وقام كبيرهم إلى ذلك الجهاز التلفزيون وكسره تكسيراً أمام الجميع معلناً التوبة، ولكن القصة لم تنته بعد.
قال الشيخ: فرأيته بعد ذلك في النوم فقال لي: خلصك الله كما خلصتني.
هذه عبرة من الواقع المشاهد وقعت مع هذا الرجل.
فمن منا يريد أن يخلصه الله؟ وهذا الرجل وجد من يخلصه فربما أنت لا تجد من يخلصك، تموت وتدرج في أكفانك وتصير وحيداً في قبرك ثم تبقى هذه السنة السيئة التي أحدثتها وتركتها تفسد عليك أولادك وتبعدهم عن ربهم وتقطع عليهم الطريق إلى الله.
إن التلفزيون قاطع الطريق إلى الله، فهو يقطع عليك الطريق إلى الله، ويبعدك عن طاعة الله تبارك وتعالى، فلا تقل أبداً: أنا أضبطه، وأنا أتحكم فيه.
إنما هو الذي يتحكم فيك، لا تقل أبداً: أنا أتركه وأثق من أولادي.
كلا؛ النساء ضعيفات القلوب، وربما أحياناً العقول، حتى المسيح الدجال عندما يخرج فإن الرجال يقيدون النساء بالحبال ويوثقونهن بها في البيوت من شدة افتتانهن بالمسيح الدجال، فكيف تعرض زوجتك للفتنة؟ كيف تعرض بناتك للفتنة؟ كيف تعرض أولادك لعشق الممثلة الفلانية، والتلذذ بالنظر للمذيعة الفلانية، وتسلم قلوبهم لهذه السموم ثم تحسب بعد ذلك أنك على شيء؟! فالتوبة بابها مفتوح لمن أراد النجاة، ولا سبيل في مجتمعنا للتعامل مع هذا الجهاز إلا أن تعمد الآن إلى تكسيره وتلقيه على المزبلة في المكان اللائق به، متى يأتي هذا اليوم الذي نجد أكوام القمامة كدست فيها أجهزة التلفزيون في توبة جماعية من جميع المسلمين حتى ينزل الله علينا المطر الذي أمسكته السماء؟ يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن -كان يتعوذ أن يدرك هذه الأيام- لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا من قبل، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا).