التنبيه الأخير: أن هذا الاسم الجليل الذي هو الاسم الأعظم (الله) لا يشرع ذكر الله سبحانه وتعالى به مفرداً؛ وذلك أن بعض الجاهلين يذكر الله سبحانه وتعالى باسم الجلالة مفرداً، فيجعلون لهم أوراداً، وهؤلاء هم الصوفية كما تعلمون يجعلون أوراداً يرددون فيها لفظ الجلالة مرات عديدة، فيرددها ألف مرة ألفين مرة: الله الله الله الله إلى آخره، وأحياناً يجتمعون على ذلك في حلقات وهم جالسون أو واقفون فيتمايلون ذات اليمين وذات الشمال، ويقفزون بين الحين والآخر، ويصاحب ذلك دقات الطبول، وتشحب الأصوات حتى لا تسمع إلا: هو هو هو فيقولون: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة:255] من أسماء الله الحسنى لجهلهم.
فيظلون يرددون هو هو أو: آه آه آه يعني: باعتبار أن هذا لحن في أسماء الله، ولجهلهم يستدلون بقول الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114]، فيقولون: إنه كان يكثر قول: آه الذي هو في زعمهم اسم من أسماء الله عز وجل.
أو حع حع حع (حاء، عين)، ولا أدري من أين أتوا بهذا؟! يزعمون أنهم بهذه البدع النكراء يذكرون الله سبحانه وتعالى، ومادام فيها هذه اللحن لأسماء الله والرقص والمزامير والاختلاط أحياناً والأشياء التي يفعلونها فهذا ذكر الله أم نسيان لله؟ هذا نسيان لله، وغفلة عن الله، وإعراض عن الله، ولا يسمى هذا ذكراً بحال من الأحوال، إنما هذا بدعة وضلال.
فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبداً الذكر بالاسم المفرد، وما عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أبداً في أي دليل أنه ذكر الله سبحانه وتعالى بهذا، فيستدلون بقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام:19]، فـ (قل الله) هل هو بمعنى: الله؟ لا، {قُلِ اللَّهُ} [الأنعام:19]، أي: قل الله أكبر شهيد فيما ذكر، فهي جملة كاملة؛ لأن اللفظ المفرد لا يفيد شيئاً من حيث المعنى، إنما اللفظ المفيد هو الذي يدل على جملة تامة يحسن السكوت عندها.
فإذاً: اللفظ المفرد ليس فيه سوى لفظ واحد، فقولهم: حي مثلاً، فذكر الله بهذه الطريقة بدعة، والبدعة تقصي من الله وتبعد العبد، وليست تقرب من الله عز وجل، فلم يأت ذلك الذكر في حديث قط، بل جميع الأذكار الصحيحة نجدها بلفظ الجلالة في جملة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أحب الكلام إلى الله أربع لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)، فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلم يثبت أبداً في هدي النبي عليه الصلاة والسلام أنه ذكر الله بالاسم المفرد.