عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب)، وفي رواية: (فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى).
وهذا الحديث إسناده صحيح أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن أبي شيبة في المصنف، وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وفي بعض ألفاظه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد وإذا رجل قد قضى صلاته وهو يتشهد فقال: اللهم إني أسالك يا ألله! بأنك الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد غفر لك! قد غفر لك! قد غفر لك!)، إسناده صحيح، لكن لم يرد فيه أن هذا هو الاسم الأعظم.
وفي لفظ آخر عن بريدة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسالك بأنك أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، فقال: لقد سأل الله باسمه الأعظم والأكبر، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى).
على أي الأحوال: فحديث بريدة رضي الله تعالى عنه هو من الروايات الصحيحة التي ورد فيها تعيين الاسم الأعظم لله سبحانه وتعالى.
ومن خصائص الاسم الأعظم أن الإنسان إذا دعا الله به أجابه، وإذا سأله به أعطاه، يعني: إذا توسل إلى الله سبحانه وتعالى باسمه الأعظم أجابه، وعندما تذكر كلمة الاسم الأعظم تشتد حاجتنا إلى الوقوف عندما علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب، وإلا فلو فتح الباب لاستعمال كلمات الاسم الأعظم لرأينا ضلالات وطامات الصوفية الذين يزعمون أن هناك علماً خفياً لا يفشى سره للعامة، وأن موضوع الاسم الأعظم كغيره من أسرار الولاية يذكر في السر لسلالة معينة من الأولياء، عن طريق عهود ومواثيق وصلاة معينة مكتومة، ولا تظهر للناس إلى غير ذلك من ضلالات الصوفية المعروفة.
وليس في ديننا أسرار ولا طبقية دينية معينة تحتكر بعض الخواص وبعض الأسرار والأمور، فالمسلم بريء تماماً ولا يعرف في دين الإسلام أسرار، وما كتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً من الوحي كما هو معلوم ومقطوع به، فكلمة (الاسم الأعظم) عند الصوفية لها إيحاءات ودلالات، ولها أشياء تنفر منها القلوب إذا سمعت، لن نخوض في كلام الصوفية وضلالاتهم في هذا الباب، ولكننا فقط نريد أن نستجلي الحقيقة من مشكاة النبوة.
فهذه إحدى الروايات التي صح فيها تعيين الاسم الأعظم، وهو ذلك الدعاء الذي دعا به هذا الصحابي الجليل: (اللهم إني أسالك بأني أشهد أنك أنت الله) إذاً: هذا توسل بأسماء الله سبحانه وتعالى وكتابه، بتعبير آخر في بعض الروايات: (اللهم إني أسالك بأنك أنت الله)، ففي هذه الحالة هذا توسل بالأسماء والصفات: (اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد) إلى آخره.
وهناك لفظ وهو: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله)، توسل بالعمل الصالح، فهو توسل بشهادته هو، فهذا نوع من أنواع التوسل المشروع.
وهناك نوع آخر: وهو التوسل بدعاء الرجل الصالح إلى الله سبحانه وتعالى.
إذاً: هذه إحدى الروايات الصحيحة في تعيين الاسم الأعظم: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد).
صح أيضاً حديث آخر عن أنس رضي الله تعالى عنه: قال: (كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ورجل يصلي فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت الحنان المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعا الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى).
إذاً: هذا الحديث أيضاً مما صح في تعيين الاسم الأعظم، ولا شك أنه إذا كان الاسم الأعظم له هذه الفضيلة العظمى فلا ينبغي أبداً لأحد أن يزهد في حفظه، وكثرة التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت، الحنان المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام! يا حي يا قيوم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى).
كذلك حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اسم الله الأعظم في ثلاث سور من القرآن: في البقرة، وآل عمران، وطه) إذا حاولنا استقراء هذه السور الثلاث، وبحثنا عن الاسم الذي تكرر في هذه الأحاديث الذي هو لفظ الجلالة (الله) فقد ورد في الحديث الأول، وورد في الحديث الثاني بصيغة (اللهم)، وإنما كان الأصل فيها: يا ألله! فلما حذف الياء من أول الحرف وبقي: (الله) جاء الميم في آخره بعدما حذف الياء في أوله؛ فأصبحت الكلمة (اللهم) تعني: الدعاء بجميع أسماء الله سبحانه وتعالى الحسنى.
كذلك أيضاً ورد في الآيات التي ذكرها بعض العلماء من سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة طه، فبعض العلماء قالوا: إن الاسم الأعظم في قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه:111]، لكن الأرجح كما بينه الطحاوي رحمه الله تعالى: أن الذي في سورة طه هو قوله تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه:7 - 8].
فإذاً: الحديث الذي فيه: أن الاسم الأعظم في ثلاث سور من القرآن: في البقرة، وآل عمران، وطه هو لفظ الجلالة (الله).
أما حديث أسماء بنت يزيد أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:163]، وفاتحة آل عمران {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران:2])، فهذا الحديث ضعيف.