نحن في قضية المرأة نحارب في المعركة، وقد زُجَّ بنا في معركة لا تخصنا من بدايتها إلى نهايتها، فهي معركة لا علاقة لنا بها في الأصل؛ لأن الإسلام ما ظلم المرأة، وما استعبد المرأة حتى تطالب بتحرير الحجاب، وليس الرجل الذي يعتبر عدو المرأة هو الذي فرضه عليها، ولكن الذي فرضه عليها هو الله سبحانه وتعالى خالقها، فما أكثر ما حارب المسلمون في معارك لا تخصهم وزج بهم فيها وهم لا ناقة لهم فيها ولا جمل! وقد رأينا من قبل مئات الآلاف من المسلمين يجندون في الجيش البريطاني من مسلمي الهند وبدو الجزيرة العربية والأردن وسوريا في أثناء ما يسمى بالثورة العربية للشريف حسين، فكان الآلاف من المسلمين مجندين تحت قيادة الإنكليز يحاربون إخوانهم المسلمين الأتراك بزعم الثورة العربية الكبرى، وكان يفتخر لورانس بأنه قتل الآلاف من العرب في سبيل بريطانيا في حين أنه لم تنزف قطرة دم واحدة من جندي انكليزي، وكان يفخر بأنه فعل هذا لوطنه؛ لأنه أراق دماء مئات الآلاف من العرب، ولم ترق قطرة دم واحدة من جندي إنكليزي في سبيل بريطانيا، ومع ذلك نحن نرى اليوم رجالاً ونساءً يحاربون في مدارس الفكر الغربي وهم في الحقيقة يحاربون دينهم دون وعي منهم.
وهذه المعركة المفتعلة ضد الرجل في قضية المرأة هي كما ضرب مثل أن رجلاً جاء في وسط الليل إلى أبرز شارع في العاصمة المزدحمة، ثم أتى بكم كبير من الأنقاض وفرغه في هذا الشارع أو في هذه الساحة، ثم صنع منه تلاً عالياً، ووضع على رأسه مصباحاً، فقال له الناس: لمَ أتيت بهذه الأنقاض؟ قال: لأرفع عليها المصباح، قيل له: لماذا تضع المصباح؟ قال: كي لا يصطدم الناس بالأنقاض! فالقضية أصلاً هي قضية مفتعلة، فإن المرأة ما عرفت ذلاً من الإسلام، وهناك انحرافات تقع في الواقع البشري في كل أمة وفي كل عصر وهي في الحقيقة ترجع إلى الانحراف عن الإسلام، وما سبب الإسلام أبداً أي مشكلة، ولا يمكن للإسلام أن يسبب ظلماً، ولا يمكن أن يصدق هؤلاء الدجالون العملاء الذين يزعمون أن الرجل عدو المرأة، فالرجل المسلم عدو أي مرأة؟ وأي امرأة هي التي يعاديها؟ هل هي أمه؟ أو أخته؟ أو بنته؟ أو زوجته؟ هذه هي المرأة بالنسبة لأي رجل، فلمَ يعاديها؟! وهل يؤتمن أحد على المرأة كما يؤتمن الأب الحاني أو الأخ الشفيق أو الزوج الرحيم أو الابن البار؟! وبعض الناس يمارسون موقفهم في هذه القضية ويتفاوتون، فبعضهم يمارس الفن المتلون الحربائي، ويراوغ ويلف ويدور ويقول لك: هذا هو روح الإسلام، ولا ينبغي أن نجمد عند النصوص، وإنما ننظر إلى روح هذه النصوص.
وعلم الله أنهم ما يريدون إلا إزهاق روح هذه النصوص، ويقولون: الإسلام دين السماحة، لكنكم أنتم بعقولكم الذين تشوهون جماله.
إلى آخر هذا الدجل الذي يروج على السذج.
وبعضهم يكونون في غاية الصراحة، وهذا هو الذي سماه أبوه أحمد بهاء الدين الصحفي المعروف، فإنه في يوم من الأيام كتب: لابد من مواجهة الدعوات الإسلامية في أيامنا مواجهة شجاعة بعيداً عن اللف والدوران، وإن الإسلام كغيره من الأديان يتضمن قيماً خلقية يمكن أن تستمد كنوع من وازع الضمير، وأما ما جاء فيه من أحكام وتشريعات دنيوية فقد كانت من قبيل ضرب المثل ومن باب تنظيم حياة نزلت في مجتمع بدائي إلى حد كبير، ومن ثمَّ فهي لا تلزم عصرنا ومجتمعنا!! إنها صراحة يحسد عليها في الحقيقة.
وكذلك الرجل الذي جهر في جريدة الأهرام أثناء موضوع عباد الشيطان، حيث قال: بقدر ما أنا ضد الحجاب أنا ضد عبدة الشيطان! ونقول: بل أنت من عبدة الشيطان.
فهم يتصورون أن عبادة الشيطان تقتصر على ما يفعله هؤلاء الشباب من طقوس عبادة الشيطان والأشياء التي فعلوها، والحق أنك إما أن تعبد الرحمن وإما أن تعبد الشيطان، ولا يوجد حل وسط، قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس:60 - 61]، وقال تعالى حاكياً عن إبراهيم: {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} [مريم:44]، فكل من عبد غير الله فقد عبد الشيطان، وكل من صد عن سبيل الله فقد عبد الشيطان.