لماذا نقبل الدعوة إلى تحديد النسل في بلاد المسلمين، وفي نفس الوقت تتجه الهجرات اليهودية من كل مكان صوب أرض الميعاد كما يزعمون بكل وسيلة وبكل طريقة، حتى يكثر عدد اليهود، حتى يستطيعوا أن يواجهوا ويحققوا أطماعهم في بلاد وديار المسلمين؟! هذه بعض فصول المعركة أو موقف هؤلاء الكفار من المسلمين، فمن خلال هذه النفسية تتخذ خطواتهم ومواقفهم من المسلمين، فالهدف من بدعة الترويج لتحديد النسل بهذه الطريقة التي ذكرنا أنها تنافي مقاصد الشريعة الإسلامية العليا، وهذه المقاصد العليا للشريعة الإسلامية مقدسة، ولا يصح أبداً أن تُمسّ من قريب أو بعيد، فالمحافظة على الدين والعقل والعرض والنفس والمال والنسل، هذه هي مقاصد الشريعة الإسلامية، وكل مفرداتها جاءت لتحافظ على هذه الضروريات الست، فالهدف من بدعة وضلالة تحديد النسل هو تقليل أمة المسلمين، والحد من تناسلها وتوالدها قدر ما يمكن، أو إيقاف ذلك بالكلية لو كانوا يستطيعون.
على ضوء الكلام الذي ذكرناه ليس الذي يخاف من كثرة النسل هم المؤمنون، وليسوا حتى الاقتصاديين، لكن الذي يخاف منه في الدرجة الأولى هم أعداء الإسلام الذين يتمنون أن يغمضوا أعينهم ثم يفتحوها فلا يجدوا على الأرض من المسلمين دَيّاراً، فهم لا يخافون الأفواه التي سوف تأكل وتلتهم الطعام، ولكنهم يخافون الأيدي التي يمكن أن تحمل السلاح، وتجاهد في سبيل الله تبارك وتعالى.
وهنا نستشهد بكلمة قالها الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى -وهو من علماء منتصف القرن التاسع الهجري- في شرحه لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا) يقول الحافظ: والحكمة في منعهم من الاختصاء إرادة تكثير النسل؛ ليستمر جهاد الكفار، وإلا لو أذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه فينقطع النسل، فيقل المسلمون بانقطاعه، ويكثر الكفار، فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية، وهي تكثير هذه الأمة.
فهم يهدون إلينا الألبان والجبن بكل أنواعه، ويهدون إلى إسرائيل الطائرات والمدافع والقنابل لحصد أُمّتنا، يهدون إلينا ساعة تدق فوق رءوسنا منذرة بأن هناك مولوداً موحداً ولد في مصر مع كل لحطة؛ حتى نأخذ حذرنا ونوقف هذا الخطر فنحد من الإنجاب، أو نقطعه نهائياً!! في مقابل ذلك تهدى إلى إسرائيل أجهزة الإنذار المبكر لربط حركتنا في حالة الحرب؛ حتى تضرب إسرائيل رجالنا قبل أن يتحركوا ويعدوا أنفسهم، ومن البدهيات التي يقر بها كثير من الخبراء في مصر، أن إسرائيل من الآن تعد لحرب شاملة مع جميع البلاد العربية وفي أولها مصر، وهذا ليس سراً، بل هذا شيء معروف ومشهور جداً!! فهذه الدعوة ما هي إلا تدبير مخطط يقصد منه المحافظة على الوضع الدولي الراهن، بحيث تظل الدول الاستعمارية صاحبة السيادة في كل شيء، وتظل الدول المسماة بـ: الدول النامية فقيره ومتخلفة، ويشتد قلق أمريكا بالذات من تزايد سكان هذه الدول؛ لأن هذا يهدد استغلالها لهذه الشعوب الفقيرة، وينذر بتخفيض النسبة العالية التي تحصل عليها أمريكا من الدخل، أو تحصل عليها هذه الدول من الدخل العالمي.
وبسبب تحكم الدول الكبرى في أسعار المنتجات الزراعية في هذه الدول، تخسر الدول النامية في التجارة الدولية ما يقارب من ثلاثة آلاف مليون جنيه سنوياً، وأيضاً ترتفع أسعار المصنوعات المستوردة من هذه الدول، فأمريكا لا تفعل شيئاً بدافع الإنسانية، ولا تقدم مساعدة بدون ثمن وبدون مقابل، بل تأخذ العوض أضعافاً مضاعفة، فأمريكا تحصل على جنيه ونصف جنيه استرلينياً مقابل كل دولار من المعونة التي تقدمها للدول النامية، حيث تشترط على هذه الدول شراء المنتجات الأمريكية بأسعار مرتفعة، وتجبرها على أن تصدر لها منتجاتها بأسعار منخفضة، فهي لعبة من اللعب الاستعمارية في لون جديد! إذا أردنا أن ندرك حقيقة هذه الجريمة التي ترتكب في حق الأمة بالترويج لهذه الضلالة وهذه البدعة، فلننظر كيف أن كُتّاب الغرب يفندون نظرية مالتوس التي كان من جرائها التحذير من المتوالية الحسابية والهندسية، والتي مفادها أن التزايد السكاني سيسبب انفجاراً سكانياً، فهم يلحّون في الغرب على الدعوة إلى الاستكثار من النسل، ورفع نسبة الكثافة السكانية عندهم، لكن إذا نصبوا منابرهم في اتجاه بلاد المسلمين، ونظروا إلى العالم الإسلامي الفسيح؛ تغيرت آراؤهم فجأة، وانعكس حديثهم عن هذه الدعوة، وأخذوا يحذرون العرب والمسلمين من استفحال تكاثر النسل، وما يسمونه بخطر الانفجار السكاني! يقول محمد إقبال -الشاعر الباكستاني المعروف-: وكل ما هو واقع اليوم أو هو على وشك الوقوع في الغد القريب في بلادنا؛ إن هو إلا من آثار دعاية أوروبا، هناك سيل عرم من الكتب والوسائل الأخرى قد انجرف إلى بلادنا لدعوة الناس إلى اتباع خطة منع الحمل، وتشوقيهم إلى قبول حركتها، على حين أن أهل الغرب في بلادهم أنفسهم يتابعون الجهود الفنية لرفع المواليد وزيادة عدد السكان، ومن أهم أسباب هذه الحركة عندي: أن عدد السكان في أوروبا في تدهور شديد، وتناقص مطّرد بناءً على الظروف التي ما خلقتها أوروبا إلا بنفسها، وقد استعصى عليها اليوم أن توجد لها حلاً مرضياً، وأن عدد السكان في بلاد الشرق على العكس من هذا، فهو في زيادة مطردة، فهذا ما ترى فيه أوروبا خطراً مخيفاً على كيانها السياسي.
وأيضاً: فالغربيون يبثون هذه الدعوة فيما بيننا حذراً من أن يقود التفوق السكاني في هذه المنطقة إلى تفوق في استخدام التكنولوجيا، والاضطلاع في العلوم، فإذا حصل هذا فسوف يتحررون من سلطان الغرب، ويمتلكون زمام القيادة في إدارة بلاد الاقتصاد والسياسة.
فالغربيون يخشون هذا، ويتصورونه ماثلاً أمامهم، وإن كانت أكثرية هذه الأمة ذاتها لا تتمتع من الطموح والآمال بما يضعونه من هذا التصور وإمكان حصوله.
تقول جريدة التايمز الأمريكية في عددها الصادر في 11/ 1/1961م: إن هذيان أمريكا وكل ما تبذل من المقترحات والمواعظ عن مشكلة السكان، إنما هو نتيجة إلى حدٍ كبير لشعورها بتلك النتائج والمؤثرات السياسية المتوقعة على أساس تغير الأحوال في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وخاصة على أساس زيادة السكان في هذه المناطق بحيث يصبحون أغلبية في العالم.
ويفضح أركر كرنك مقاصد الأوربيين في إلحاحهم على المسلمين بضرورة تحديد النسل، وهذا من باب: وشهد شاهد من أهلها، فتأمل ما يقوله هذا الشاهد، يقول: إن أهل الشرق سوف لا يلبثون إلا قليلاً حتى يطلعوا على حقيقة هذا الدجل، ثم لا يغتفرونه لأهل الغرب؛ لأنه استعمار من نوع جديد يهدف إلى دفع الأمم غير المتقدمة، ولاسيما الأمم السوداء إلى مزيد من الذل والانحطاط؛ حتى تتمكن الأمم البيضاء من الاحتفاظ بسيادتها!! فهم في الغرب لم يضعوا إلى الآن لشعوبهم مثل هذه الخطط الموضوعة لنا للحد من التزايد السكاني، بل على العكس، فهم يشجعون الإكثار من النسل، ومن أجل ذلك لا ينكرون العلاقات غير الشرعية التي تثمر الألوف من أبناء الحرام!! في الوقت الذي تعلن فيه السلطات الرسمية في أمريكا أن الأسرة الأمريكية تواجه أزمة من أشد الأزمات، وهي ارتفاع نسبة المواليد بشكل يهدد الحالة الاقتصادية في البلاد، ومع هذا أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق إيزنهاور في مؤتمره السنوي المنعقد في ديسمبر سنة 59م قائلاً: إن حكومته لن تفكر في تحديد النسل في أمريكا ما دام هو في البيت الأبيض!! ثم جاء نكسون في سنة 72 فأكد موقف إيزنهاور وأعلن أن الإجهاض لا يتفق مع الدين، ولا مع تقاليد الحضارة الغربية، فطالب بإعادة النظر في قانون إباحة الإجهاض التي أخذت بها بعض الولايات.
أما روسيا السوفيتية التي وصل تعدادها حالياً إلى 250 مليون فهي ترى أنها في حاجة ماسة إلى مزيد من النسل؛ لأنها في حاجة إلى مزيد من القوى البشرية والأيدي العاملة والمنتجة؛ حتى تستطيع أن تحتفظ بالتوازن بينها وبين الدول المجاورة لها، ومن أجل ذلك أصدر مجلس السوفيت الأعلى في موسكو قراراً بإهداء ميدالية فخر الأمومة إلى الأمهات المنجبات لكثير من الأطفال! أما في أسبانيا فإن الجنرال فرنكو كان أشد ما يكون حرصاً على زيادة تعداد الشعب الأسباني، وقد أهدى جائزة الأب المثالي لفلاح أسباني يبلغ من العمر مائة وسبع سنوات؛ وذلك لأنه أنجب واحداً وعشرين طفلاً وطفلة.
أما في إيطاليا -التي تعتبر مركز الكاثوليك- فإن المسمى البابا بولس السادس - وهو الزعيم الديني لأكثر من 500 مليون كاثوليكي- قرن اسمه بالحملة المضادة لتحديد النسل، حيث أعلن أن استخدام وسائل تحديد النسل إثم، وأن مستخدميها آثمون، ومن يدري لو كان يتمتع بالسلطة القديمة التي كانت في القرون الوسطى، لأصدر قرارات حرمان.
وذكر كبير النصارى في مصر نفس هذه العبارة، وزاد: أن هؤلاء الذين يحددون النسل خارجون عن شعب الكنيسة.
وأيضاً اليونان مع أنها محدودة المساحة والموارد، فإن الحكومة اليونانية حريصة أشد الحرص على تحقيق زيادة السكان؛ لتعويض النقص الحاصل في السكان بسبب الهجرة المستمرة، ولذلك قررت الحكومة اليونانية فرض مكافأة شهرية ثابتة لكل أبوين على إنجاب الطفل الثالث أو أي طفل يلدانه بعد الثالث تبلغ عشرة جنيهات.
ومنذ زمن ليس بالبعيد ناشد الرئيس الفرنسي دستانس الشعب الفرنسي العمل على زيادة النسل، وأكد أن عدد سكان فرنسا الذين يزيد عددهم على خمسين مليون غير كافٍ! ويتعين زيادة معدلات السكان؛ لكي تستعيد فرنسا مكانتها على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ووعد بعلاوات مالية مجزية للأسر التي لديها ثلاثة أطفال أو أكثر!! وأما في الصين فمن المعروف أنها مزدحمة بالسكان، ولكن الغريب أن حكومة الصين حتى الآن تستثني المناطق الإسلامية من قوانين الإجبار على تحديد الحمل والنسل؛ لأنهم يخافون من ثورة المسلمين؛ لهذا يعتبرون من صميم سياستهم عدم التدخل في نسل المسلمين في الصين، وتستثنى المناطق الإسلامية م