إنّ أعداء الإسلام لا زالوا يخططون، ومن مخططاتهم الترويج لهذه الفكرة الخبيثة وهي: فكرة تقليل النسل المسلم، فهذا مظهر من مظاهر هذه المؤامرة؛ لأنهم يدركون كثيراً من الحقائق، لكن -وللأسف- أن كثيراً من المسلمين لا يعونها ولا يعرفونها، فهم يعرفون جيداً أن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي مهما ظهر الأمر بخلاف ذلك، فهذه حقيقة العلاقة بيننا وبين الغرب، وهذه الحقيقة لا يتفطن لها كثير من المغفلين والسُذّج والبسطاء، لكن هي الحقيقة شاءوا أم أبوا.
وفي أثناء الحرب الأخيرة التي حصلت في الخليج كانت تصدر بعض التصريحات أحياناً، وربما كانوا يمارسون هذه الأمور بحرية في الخارج أكثر من هنا، وقامت بعض أجهزة الإعلام الغربية في بريطانيا مثلاً بتصوير أجزاء من الصواريخ التي كانت تقع على العراق، وبعض هذه الصواريخ كان الجنود النصارى الذين أتوا لينقذوا المسلمين من أيدي المسلمين في الظاهر! قد كتبوا عليها بعض العبارات، مثل: إلى صدام: ادع الله، فإن لم يستجب لك الله فالجأ إلى يسوع!! وكتبوا على صاروخ آخر: من أبناء موسى، وإلى أبناء محمد! فهذه الروح الصليبية الحاقدة لا زالت، ولا ننسى قول بابا روما -بابا الكاثوليك- حينما خرج عن وداعته التي يتكلفها، ولم يستطع أن يكتم هذه العبارة فقال: هذه حرب مقدسة، وهذه حرب عادلة، فانحاز إلى هذا الأمر، وتبشبش لما حصل في هذه المحنة.
فالشاهد: أن هذه حقيقة نواياهم، فمثلاً هذا: نورنت برون المعروف بنشاطه الجاسوسي لبريطانيا في وسط العرب هنا يقول: إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي.
والحاكم الفرنسي في الجزائر يقول في ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر: إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرءون القرآن، ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم، ونقتلع اللغة العربية من ألسنتهم.
وهذا جلادستون -رئيس وزراء بريطانيا الأسبق- كان يقول بصراحة شديدة: ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، أو أن تكون هي في أمان!! وحتى قوى الشرق العالمية كالدول الشيوعية فإنها تصرح بذلك، ففي أوزباكستان يقول بعضهم بالحرف الواحد: من المستحيل تثبيت الشيوعية قبل سحق الإسلام نهائياً.
والحمد لله، فقد سحقهم الله، وأذاق بعضهم بأس بعض.
ويقول أحد المنصرين أيضاً: إن القوة الكامنة في الإسلام هي التي وقفت سدّاً منيعاً في وجه انتشار المسيحية، وهي التي أخضعت البلاد التي كانت خاضعة للنصرانية.
وقال آخر من هؤلاء المبشرين بالنار: لم يتفق قط أن شعباً مسيحياً دخل في الإسلام ثم عاد نصرانياً! وهذا مصداق لما قاله هرقل حين كان يستعلم عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم، فسأل عن أتباعه: هل يزيدون أم ينقصون؟ فقال أبو سفيان: بل يزيدون، قال: وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
فهذا اعتراف من هرقل بالإسلام.
وهذا: بن جوريون -رئيس وزراء إسرائيل السابق- يقول: إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم الإسلامي محمد جديد! فالقوم في حالة رعب وفزع شديد من الإسلام، حتى الأمهات إلى اليوم في أوروبا -وبالذات في إيطاليا- حين تريد الأم أن تخيف ابنها فإنها لا تقول: الغول! ولا تقول ما يقوله الناس، بل تقول: سآتيك بـ صلاح الدين، وهذا من شدة الرعب والفزع من صلاح الدين رحمه الله.
وهم أيضاً -كما ذكرنا- يعلمون أن مصدر الخطر الحقيقي عليهم هو الإسلام، فتؤخذ كل الوسائل، فصحيح أن الاستعمار قد تلوّن، لكنه لم يظهر في الحقيقة، بل ما زال بنفس العقلية ونفس الموقف الخبيث نحو المسلمين، كما قال عز وجل: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217]، فلا زال هذا الموقف هو الحقيقة الكامنة في قلوبهم رغم أنهم يزعمون ويظهرون خلاف ذلك.
يقول رائد الجاسوسة نورنت برون أيضاً: كان قادتنا يخوفوننا بشعوب مختلفة، ولكننا بعد الاختبار لم نجد مبرِّراً لمثل تلك المخاوف، فكانوا يخوفوننا بالخطر اليهودي، والخطر الياباني، والخطر البلشفي، لكنه تبين لنا أن اليهود هم أصدقاؤنا، والبلاشفة الشيوعيين حلفاؤنا، وأما اليابانيون فإن هناك دولاً ديمقراطية كبيرة ستتكفل بمقاومتهم، لكننا وجدنا الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته المدهشة! ويقول دازنوت -وهو أيضاً مستشرق من المستشرقين-: إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوروبا! ويقول هاموتوا -وزير خارجية فرنسا سابقاً-: لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام سوره، وانتشر فيه، فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تفوق كل دين آخر.
والعجيب أن هذه التصريحات تأتي على ألسنة أعداء الإسلام أنفسهم، مع أنهم حريصون على كتمان هذه الحقائق، لكنهم لم يستطيعوا كتمانها، ويعرفون أنهم لو كتموها فسيكونون كمنكري الشمس في رابعة النهار.
ذكرت الإحصائيات الرسمية أنه في أقل من ثلاثين سنة سيزداد عدد المسلمين في أمريكا زيادة كبيرة، بحيث سيشكلون الدين الثاني فيها مع أديان الكاثوليك، وإن شئتَ قلت: الدين الأول؛ لأن الكاثوليك في الحقيقة ليس لديهم دين على الإطلاق! ولذلك بعد ثلاثين سنة -كما يقدرون- فإن الدين الإسلامي هناك سيكون أمراً ملفتاً للنظر؛ بسبب زيادة معدل التناسل للمسلمين، فيكونون هم الفئة الثانية في أمريكا، والله أعلم.
وكذلك ينتشر الإسلام في فرنسا بصورة كبيرة، حتى أن زعماءهم في الانتخابات يحاولون مداعبة عواطف الفرنسيين عن طريق التلميح إلى فكرة طرد أو تقليل وجود المسلمين غير الفرنسيين في داخل فرنسا، وبعض الناس يذكرون من مناقب ديغول رئيس فرنسا: أنه حرر الجزائر وأعطاها استقلالها، وكثير من الناس لا يفطنون إلى أسباب هذا التصرف من ديغول، فقد قال لهم في الجمعية الوطنية الفرنسية حين كان هناك أناس يعارضون فكرة استقلال الجزائر؛ لأن فرنسا كانت تنادي بأن لها حقاً تاريخياً في الجزائر، وأنها جزء لا يتجزأ من فرنسا، فشجع ديغول استقلال الجزائر، واضطر إلى أن يصارح أعضاء الجمعية الوطنية بالسبب في ذلك، فقال: تعرفون أن الجزائر فيها كذا مليون مسلم، وإبقاء هؤلاء كمواطنين فرنسيين فيه خطر على فرنسا، أتقبلون في يوم من الأيام أن يصبح مثلاً ثلث هذا الجمعية الوطنية من المسلمين؟! فاجتمعت كلمتهم على الموافقة على استقلال الجزائر.
إن من آيات الله، ومن علامات أن هذا دين الله الحق: أنه لا توجد دولة واحدة على وجه الأرض تتبنى قضية الإسلام، ولا توجد دولة واحدة على وجه الأرض تطبق الإسلام كما أنزله الله، أو تتحمس له، أو تقيم نشاطاً جدياً لنشر هذه الدعوة، والدفاع عنها، وبثها في الآفاق، بل كله نشاط رمزي خاضع لفئات قليلة، فالأصل أن كل هذه الأنشطة هي أنشطة آحاد من الدعاة المسلمين، أو الشباب الإسلامي في شتى بقاع الأرض؛ في داخل بلاد المسلمين وخارجها، ثم إن أصحاب هذا الدين يجاربون في بلادهم، ويُنكَّل بهم أشد التنكيل، حتى جاء اليوم الذي يقسَّم الناس فيه إلى إسلاميين وغير إسلاميين، وهذا اصطلاح غريب جداً نسمعه من كثير من الناس، فيقولون: فعل الإسلاميون في الجزائر كذا، وهم ينادون بكذا، فلماذا لا تقولون: فعل مسلم من المسلمين؟! ولماذا تقولون: إسلاميون؟! فمعنى هذا أن المسلمين ينقسمون إلى فئتين: فئة لا تريد إعزاز الدين، ولا شأن لها بالدين، وهؤلاء هم عموم المسلمين، وفئة أخرى اسمهم: الإسلاميون، وهم الذين اتجهوا إلى نصرة الدين، والجهاد في سبيله، والدعوة إليه، والبذل في سبيله، وهكذا.
فهذه فكرة خبيثة، فقُل: مسلمون، وقُل: كفار، ولا تقل: إسلاميون وغير إسلاميين، ثم يقرن بهم التشدد والتطرف، ويحصل الطعن الصريح في دين الله تبارك وتعالى ليل نهار، وصباح ومساء، في وسائل الإعلام وغيرها.
الحقيقة أننا الآن أصبحنا غرقى في بحر من المؤامرات على هذا الدين من داخل بلاد المسلمين قبل أن يكون من خارجها، وهذا مصداق لقول بعض الناس: خرج الإنجليز الحمر، وبقي الإنجليز السمر! فهي في الحقيقة لغات الاستعمار بين العساكر والحضارة، فهم الذين يحكمون ويقهرون بلاد المسلمين اليوم؛ ليكونوا خدّاماً ومخلصين لأغراض هذا العدو الكافر.
يقول البنشاذور وهو يتكلم بموقف خاص عن الإسلام: من يدري! ربما يعود اليوم الذي تصبح فيه بلاد الغرب مهددة بالمسلمين، يهبطون إلينا من السماء مرة أخرى، وفي الوقت المناسب! ويقول أيضاً: لست متنبئاً، لكن الأمارات الدالة على هذه الاحتمالات كثيرة، ولن تقوى الذرة والصواريخ على وقف تيارهم، إن المسلم قد استيقظ، وأخذ يصرخ: هأنذا، إنني لم أمت، ولن أقبل بعد اليوم أن أكون أداة تسيرها العواصم الكبرى ومخابراتها.
وهناك تصريح على لسان أحد قوى الشر، حيث يقول: إن الخطر الحقيقي على حضارتنا هو الذي يمكن أن يحدثه المسلمون حين يغيّرون نظام العالم، فلما سأل أحد الصحفيين هذا الرجل: لكن المسلمين مشغولون بخلافهم ونزاعاتهم؟! فأجابه: أخشى أن يخرج منهم من يوجّه خلافاتهم إلينا.
ويقول مسئول في وزارة الخارجية الفرنسية سنة (1952م): ليست الشيوعية خطراً على أوربا فيما يبدو لي، إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي؛ فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون أن يقيموا قواعد عالم من جديد دون حاجة إلى إذابة شخصياتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية، فإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعي في نطاقه الواسع انطلقوا في العالم يحملون تراثهم الحضاري الثمين، وانتشروا في الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية، ويقذفون برسالتها إلى مزابل التاريخ، وقد حاولن