نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التبتل والاختصاء، فعن سعد رضي الله عنه قال: (أراد عثمان بن مظعون رضي الله عنه أن يتبتّل -أي: يمتنع من الزواج ويتفرغ للعبادة- فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم، ولو أجاز له ذلك لاختصينا).
رواه مسلم.
قال ابن مظعون أيضاً في رواية أخرى: (يا رسول الله! ائذن لي في الاختصاء.
فقال: إن الله قد أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحاء).
وعن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لنا شيء) أي: ليس لنا ما نتزوج به (فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك) رواه البخاري.
فبين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن العلاج بأن يبادر كل إنسان إلى النكاح، فإن عجز عن الباءة فليبادر إلى الصيام والأخذ بأسباب تقليل الشهوة، أما الجنوح في مثل هذا العناء الذي نلقاه إلى الاختصاء وتغيير خلق الله، فهذا مجرد انفعال بظروف مؤقتة سرعان ما تزول، فلنلتزم بقول الله عز وجل: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33].
والاختصاء فيه تعذيب للنفس، وفيه إبطال لمعنى الرجولية، وفيه تغيير لخلق الله، وفيه الكفر بنعمة الرجولة، وفيه اختيار النقص على الكمال، وفيه أيضاً قطع النسل، ولهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ودخل سعد بن هشام على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقال: إني أريد أن أسألك عن التبتل، فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل، أما سمعت الله عز وجل يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]؟ وفي رواية أنها قالت له: لا تفعل، أما تقرأ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]؟ فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ولد له.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا صرورة في الإسلام).
قيل: الصرورة: هو الشخص الذي وجد سعة وقدرة على الحج ولم يحج.
فلا يحتمل أن يكون في المسلمين رجل يقدر على الحج ثم يقصّر في ذلك، فهذا الفعل لا ينبغي أن يكون من المسلمين.
الاحتمال الثاني: أن المقصود بالصرورة: الرجل القادر على مؤن النكاح ولم يتزوج، لا لعذر ولكن كرهبانية النصارى، فيكون معناه: لا تبتّل في الإسلام.