ذكرنا آنفاً في القضاء والقدر أن الله يعلم كل شيء، فهو يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، كما قال عليه السلام: (والذي نفس محمد بيده! لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون) وقال صلى الله عليه وآله وسلم لـ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لمّا تزوج: (إذا قدمت فالكيس الكيس) أي: يرشده إلى طلب الولد، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تزوج الولود، كما جاء عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهياً شديداً ويقول: تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).
فيا ليت أصحاب مكاتب أسرة المستقبل المظلم إذا استمروا على هذا الحال يعلقون هذا الحديث بدل أن يكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (جاهدوا البلاء)، فكيف تعتبرون مثل هذه الأحاديث المكذوبة التي لا أصل لها وتخفون مثل هذه النصوص المشرقة التي تنطق بكذبكم في دعواكم؟! يقول عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) فهذا الحديث لا يحتمل التأويل، ويُعرف متى تكون المرأة ولوداً إذا كانت بكراً بالنظر في أقاربها، مثل أمها وقرابتها، وإذا كانت ثيباً فتعرف إذا كانت أنجبت من قبل أم لا.
أيضاً: بيّن صلى الله عليه وآله وسلم أن الولد قرة عين والديه، وأنه نعمة كبرى يجب شكرها، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم للنساء: (إياكن وكفران المنعمين! قالت إحداهن: أعوذ بالله يا نبي الله من كفران الله.
قال: بلى، إن إحداكن تطول أيمتها).
أي: تطول فترة مكثها عند أبيها؛ لتأخرها في الزواج، قال: (إن إحداكن تطول أيمتها، ويطول تعنيسها، ثم يزوجها الله البعل ويفيدها الولد وقرة العين، ثم تغضب الغضبة -أي: من زوجها- فتقسم بالله ما رأت منه ساعة خير قط! فذلك كفران نعم الله عز وجل، وذلك من كفران المنعمين).
الشاهد هنا قوله: (ويفيدها الولد وقرة العين) في سياق الامتنان عليها بهذه النعمة.
وقد رغّب السلف في كثرة الولد والإنجاب بنيّة أخرى قد يعجب لها الذين لا يفقهون التجارة مع الله عز وجل والعمل الصالح، قال عليه الصلاة والسلام: (صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه على باب الجنة، فيأخذ بصنفة إزاره كما آخذُ بصنفة إزارك هذا فلا ينتهي حتى يدخل الجنة).
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21]، فصغار المسلمين دعاميص الجنة، والدعموص: الحيوان الصغير أبو ذنيبة يكون في الماء، وهي الزوارب الصغيرة التي تتحرك كثيراً في الماء، وتملأ أحواض الماء أحياناً.
فيأتي أحدهم يوم القيامة، ويقف على باب الجنة، حتى إذا جاء أبوه يأخذ بصنفة إزاره، أي: طرف ثوبه، ويمسك به فيجرّه، فلا ينتهي حتى يدخله الجنة، فكان بعض السلف يستدلون بهذا على استحباب الزواج لتحصيل الأولاد عسى أن ينال أحدهم هذا الثواب؛ ففي ذلك خير عظيم.
والنبي عليه الصلاة والسلام كان يعلّم النساء، فقال: (ما من امرأة قدمت من ولدها ثلاثة إلا كانوا لها حجاباً من النار) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فقالت امرأة: (واثنين؟ قال: واثنين).
فالشاهد: أن المرأة إذا مات في حياتها ثلاثة من ولدها وصبرت على ذلك فهؤلاء الثلاثة يكونون حجاباً لها من النار، ويكونون حجاباً للوالد أيضاً، فهذا كله مما يتفطن إليه الذين يفقهون كيف يتاجرون مع الله عز وجل بالعمل الصالح، ومن ينوي أن يأتي بأولاد لعل بعضهم يموت في حياته، فإنه سينال هذا الأجر العظيم في الآخرة إن شاء الله.