من الأساليب التي ذكرها القرآن: بيان أن الإنجاب وحفظ النوع هو مقصد أعظم من مقاصد النكاح، كما قال تبارك وتعالى: ((فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ))، أي: بعدما منع الرجال أن يقربوا نسائهم في الصيام، ثم نسخ ذلك بالليل فقال تبارك وتعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة:187]، وهذه كناية عن الوقت، واقصدوا مع ذلك تحصيل الذرية لا محض الشهوة التي تشارككم فيها البهائم، فلا بد أن يستحضر الرجل نية أن يحصل بالنكاح ذرية طيبة وصالحة، فهذا هو المقصود بقوله: (وابتغوا ما كتب الله لكم) أي: من الذرية، فاسلكوا الأسباب حتى تحصلوا بها الذرية.
ويقول تبارك وتعالى في شأن النساء: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ} [البقرة:222 - 223].
فقوله تعالى: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله)، في الآية دلالة على اجتناب النساء في المحيض؛ لأن هذا ليس وقت الحرث والحمل، إضافة إلى ما يكون في ذلك من الأذى، فهذه الآية تتضمن إشارة إلى أن المحيض لا يكون وقتاً لطلب الولد وطلب الحرث، ولا يتأتى الحمل في أثنائه، وهناك مَثَل في الطب يقول: إن دم الحيض هو الدموع التي يبكيها الرحم بسبب عدم الحمل! وهذا التعبير قريب جداً إلى الفطرة، فهو تشبيه للحيض بأنه دموع الرحم وهو يبكي؛ لعدم حصول الحمل، فكأن هذه هي الفطرة.
يقول الله تبارك وتعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، ثم قال عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة:223] إرشاد إلى ازدراع الذرية فيهن.
والحقيقة أن هذا تعبير دقيق جداً؛ لأن الذي يحصل في نمو الجنين داخل الرحم هو بالضبط مثل الذي يحصل من الزرع في الأرض، فكما أن البذرة تتجه بجذورها إلى داخل التربة، وتتشعب فيها، وتضرب أعماقها! كذلك يحصل لهذا الزرع في جدار الرحم، فهو حرث وزرع كما وصفه الله بمنتهى الدقة بقوله: (نساؤكم حرث لكم) فشبه النطف بالبذور، وشبه الأرحام بالأرض، والثمرة في هذه الحالة تكون هي الولد.
وقوله: (فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم)، يقول مفتي مصر الدكتور سيّد طنطاوي في التفسير الوسيط: وفي هذه الجملة الكريمة إشعار بأن المقصد الأول من الزواج إنما هو النسل، ويشير إلى ذلك قوله: (نساؤكم حرث لكم) إذ من شأن الحرث الصلاح للإنتاج، وقوله تعالى: (وقدموا لأنفسكم) أي: أقصدوا بالزواج ما تقدمونه لمستقبلكم مما ينفعكم في الدنيا والآخرة، وأنفع شيء هو الولد الصالح.