وقول الله عز وجل: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:5] حاسد هنا يعم الجن والإنس، فإن الشيطان وحزبه يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله، كما حسد إبليس أبانا آدم عليه السلام، وهو عدو لذريته كما قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر:6]، فكلمة (الحاسد) تعم الجن والإنس كما ذكرنا، يعني: الحاسد من الجن أو الحاسد من الإنس؛ لأن إبليس يحسد بني آدم أو المسلمين على نعمة الإيمان، ولذلك يحرص على أن يضلهم، وعندما يسجد المؤمن سجدة التلاوة يعتزل الشيطان يبكي، ويقول: أمر ابن آدم بالسجود فسجد، وأمرت بالسجود فلم أسجد، فيحقد الشيطان ويحسد ابن آدم، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف:27].
إذاً: الشيطان حقود على آدم وذريته، حسود لهم يتمنى زوال نعمة الإيمان عنهم، ليكونوا شركاءه في النار، لكن الحاسد يعم الجن والإنس، فالحاسد قد يكون من الجن أو من الإنس كما بينا، أما الوسواس فهو أخص بالجن، فالذي يقدر على الوسوسة هم شياطين الجن، والحسد أخص بشياطين الإنس، أما الوسواس فيعمهما، كما قال الله عز وجل في آخر السورة: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس:4] إلى {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:6].
يعني: أن الوسواس يكون من الجن ومن الناس، لكن الجن أخص بصفة الوسوسة، وكذلك الحسد يكون من الجن والإنس، لكن الإنس أخص بالحسد، فكلا الشيطانين حاسد موسوس، والاستعاذة من شر الحاسد تتناولهما جميعاً، وهذه السورة اشتملت على الاستعاذة من كل شر موجود في العالم، فتضمنت شروراً أربعة يستعاذ منها: شراً عاماً، وهو قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:2]، أي: من شر خلق الله سبحانه وتعالى.
ثم شراً خاصاً، وهو قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:3] فهذان نوعان.