الآن نقف عند إحدى هذه الآيات، وهي آية سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كثيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب:41 - 42].
إذا تأملنا القرآن الكريم والسنة الشريفة فإنا نجد أن كل عبادة من العبادات لها وصف محدد أو عدد محدد لا يجوز عنه، فالحج مثلاً يكون مرة واحدة في السنة، والصيام الواجب هو صيام شهر رمضان، والزكاة يشترط فيها مثلاً حولان الحول، وهناك شروط أخرى، فكل عبادة لها وقت، ولها عدد، ولها هيئة مخصوصة وأوقات مخصوصة، فهناك أوقات ينهى عن الصلاة فيها، والعبادة الوحيدة التي أمرنا بالإكثار منها بلا حدود هي ذكر الله عز وجل، فكل أمر أتى فيه الترغيب في الذكر فغالباً ما يقترن بالإكثار والاجتهاد في مضاعفة هذا الذكر كما في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كثيراً} [الأحزاب:41]، وقوله: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كثيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35].
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كثيراً} [الأحزاب:41]: إن الله لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله، فقال: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء:103]، بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، والغنى والفقر، والصحة والسقم، والسر والعلانية، وعلى كل حال، وقال: ((وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)) فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته.
وقال سبحانه وتعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كثيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45]، وقال عز وجل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب:35] إلى قوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كثيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سبق المفردون.
قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟! قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)، فالمفردون: هم الذين عاشوا في قرن معين من الزمان، ثم ذهب هذا الزمان وبقوا وحدهم متفردين يذكرون الله عز وجل.
قال ابن الأعرابي: فَرُد الرجل إذا تفقه، واعتزل الناس، وخلا بمراعاة الأمر والنهي.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين الله كثيراً والذاكرت)، فهذه أيضاً من الأعمال التي يستحق صاحبها أن يوصف بأنه من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.
وهناك رواية أخرى لهذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعاً كتبا ليلتئذ من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات).